الأيوبيون بالأعياد الكثيرة التى كان يعنى بها الفاطميون والتى بلغت فى تقدير المقريزى نحو ثلاثين عيدا، ولكن على كل حال بقيت منها بقية إسلامية كانت تمدّ فيها الأسمطة للشعب وكذلك بقيت بقية من الأعياد النصرانية. وطبيعى أن يشغل الأيوبيون عن الأعياد المصرية بحروبهم مع الصليبيين وما كانت تستنفد منهم من أموال ضخمة. ويبدو أن فنون اللهو وما يتبعها من القمار والخمر مما عرف فى عهد الفاطميين ظلت فى أيام الأيوبيين وإن خفت حدتها، ويقول ابن تغرى بردى عن السلطان العادل الأيوبى إنه طهّر جميع ولاياته-فى مصر وغير مصر-من الخمور والخواطى والقمار. وطبيعى أن لا تفارق البسمة شفاه المصريين فى أيام انتصارات سلاطينهم الأيوبيين على الصليبيين وأن لا يفارق المرح نفوسهم، ومن خير ما يصور ذلك كتاب الفاشوش فى حكم قراقوش لابن مماتى صاحب ديوان الجيش والمال لعهد صلاح الدين، وكان قد عيّن قراقوش محافظا للقاهرة وأمره ببناء القلعة، والكتاب مجموعة من النوادر المضحكة على قراقوش وأحكامه الحمقاء. وسرعان ما أصبح قراقوش شخصية خيالية لكل حاكم مخبول فيه بله وغفلة وحمق، وسمّى فى تركيا قراقوز، وعاد إلينا باسم أراجوز وبعروضه المضحكة.
ويتحول صولجان الحكم وأزمّته إلى أيدى سلاطين المماليك، ويكسبون لمصر مجد الانتصار على التتار، وتنحسر موجتهم إلى العراق وما وراءه، ويطردون نهائيا الصليبيين من ديار الشام.
ويعود التتار مع تيمورلنك إلى الشام وتنسحب جموعه إلى آسيا الصغرى، ويتوفى فتتمزق دولته.
وتعدّ أيام المماليك من أزهى أيام مصر الإسلامية إن لم تكن أزهاها، فقد ورثت عن بغداد الخلافة العباسية، كما مر بنا، وتوافد عليها العلماء والأدباء من العراق وما وراءه فارّين من وجوه التتار، وكانت الأندلس تمر بأيامها الأخيرة فوفد عليها أدباؤها وعلماؤها، كما وفد من قبل علماء صقلية وأدباؤها حين احتلها النورمان. وبذلك كله كانت مصر منذ عصر الأيوبيين موئل العروبة والإسلام. وظلت بها ثلاث طبقات متقابلة طوال زمن المماليك: طبقة الحكام، وطبقة وسطى من كبار التجار، وطبقة دنيا من الفلاحين والعامة. وكانت الطبقة العليا الأولى تعيش منفصلة عن الشعب: فى جزيرة الروضة أولا ثم فى الجبل، على نحو ما هو معروف عن المماليك البحرية والبرجية، وقد ظلوا محافظين على طبقتهم فهم لا يختلطون بالشعب، ودائما كانوا يعملون على تنمية أنفسهم بعناصر جديدة منهم، كان يستوردها لهم النخّاسون من أحداث الرقيق المجلوب غالبا من القوقاز وجنوبى روسيا وبيزنطة، وكانوا يدرّبونهم فى القلعة على الفروسية، ويعدّون لهم أساتذة يعلمونهم الكتابة والحساب وشيئا من القرآن الكريم والحديث النبوى، حتى إذا شبّوا