للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توزعهم أمراء المماليك، مكوّنين منهم فرقا عسكرية. وما يلبث جنود هذه الفرق أن يقتنوا الإقطاعات، وكانت أحيانا إقطاعات تمليك كما مر بنا فى العصر الفاطمى فهى تورث، وأحيانا كانت إقطاعات استغلال. وبمرور الزمن تكاثرت هذه الإقطاعات فى أيام المماليك تكاثرا شديدا، حتى اضطر بعض السلاطين إلى فكها ولكن سرعان ما كانت تعود.

وبذلك كان من أهم ما يميز عصر المماليك أنه عصر إقطاع، وكان الفلاح لا يزايل إقطاعه وكأنه-حياته-قنّ كما يقول المقريزى. ويعجب السبكى فى كتابه معيد النعم من هذا الرق للفلاح، ويقول: من حق الفلاح أن يكون حرا لا يد لآدمى عليه. وكأنما حرم أصحاب الأرض الحقيقيون من تملك الأرض، وتملّكها المماليك الأرقاء، وكانوا كثيرا ما يفرضون عليهم-كما يقول ابن إياس-ضرائب استثنائية غير الضرائب العادية. ومع ذلك ففى النصوص أن نظام المزارعة المعروف كان-كما أسلفنا-مستمرا فى هذه الحقب، وهو النظام الذى يجعل للفلاح نصف المحصول وللمالك نصفه الآخر، ويبدو أن أصحاب الإقطاعيات كثيرا ما كانوا يظلمون الفلاحين. على أن تسلط المماليك على الأرض والزراعة جعلهم يعنون بالجسور وبنظام الرى وبالثروة الزراعية عامة وكذلك بالثروة الحيوانية. وكانت الدولة تشترى كثيرا من المحاصيل وتعيد توزيعها على تجار التجزئة، حتى تمنع المضاربات التجارية.

وكانت الصناعة مزدهرة، فقد كانت أيام المماليك أيام ترف فى بناء القصور الباذخة وفى كل شئون الزينة، وكانت للدولة مصانع خاصة للخلع السنية التى يخلعها السلاطين على الأمراء وكبار رجال الدولة. وكانت تزدهر صناعة الملابس والفرش والأثاث والجلود والحلى والمعادن والزجاج الملون. وكانت الدولة تهتم بصناعة الأسلحة وسفن الأساطيل. وكل ذلك عمل على ازدهار الصناعات، ومما يدل على هذا الازدهار بوضوح أن نجد لكل فئة من الصناع نقابة خاصة تنظر فى شئونهم فيما بينهم وبين أنفسهم كذلك فيما بينهم وبين الشعب من جهة والحكومة من جهة ثانية.

وكانت التجارة بالمثل مزدهرة، بل كانت أكثر ازدهارا ونشاطا، فإن مصر حينئذ كانت تمسك بالشطر الأكبر من أزمة التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وبعبارة أخرى بين الهند وشرقى آسيا وبين أوربا، مما جعلها تعقد شبكة من المعاهدات بينها وبين جمهوريات إيطاليا التجارية مثل جنوا والبندقية فضلا عن بقية ثغور البحر المتوسط وجزره. وكانت الدولة تحصل على دخل ضخم من مكوس التجارة، حتى إذا سقطت أهمية طريق مصر إلى الشرق باكتشاف فاسكودى جاما طريق رأس الرجاء الصالح سنة ٩٠٣ كان ذلك إيذانا بانتهاء دولة المماليك فى مصر واستيلاء العثمانيين عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>