بعد ابن ظافر عبد الرحيم (١) بن شيث المتوفى سنة ٦٢٥ ونراه فى كتابه «معالم الكتابة ومغانم الإصابة» يعقد فصلا للبلاغة يعرض فيه للإيجاز والمساواة واختيار الألفاظ والسجع وبعض فنون البديع. ويتلوه العز بن عبد السلام الإمام الشافعى المشهور نزيل القاهرة سنة ٦٤٠ وقد ظل فيها علما كبيرا فى الفقه الشافعى وغيره، وله كتاب منشور سماه الإشارة إلى الايجاز فى بعض أنواع المجاز، وهو بذلك كتاب فى علم البيان، وقد قصره على إحصاء دقيق لأمثلة المجاز فى الذكر الحكيم، عنى فيه بالأمثلة أكثر مما عنى بالقواعد وتفاريعها الكثيرة المعروفة فى علم البيان.
وأهم من العز بن عبد السلام فى ميدان التأليف بمصر فى البلاغة وفنون البديع معاصران له هما أحمد بن يوسف التيفاشى المغربى الجزائرى نزيل مصر المتوفى سنة ٦٥١ وابن أبى الإصبع المصرى المتوفى سنة ٦٥٤. أما التيفاشى فذكرنا عنه فى غير هذا الموضع أنه نزل مصر فى باكورة شبابه وأنها تعهدته حتى أصبح عالما لا يشقّ غباره فى التاريخ الطبيعى والجيولوجيا وكان أديبا وعنى بالتأليف فى البديع وألف فيه كتابا أحصى فيه سبعين محسنا من المحسنات البديعية، وسقط الكتاب من أيدى الزمن. أما ابن أبى الإصبع فيعد أكبر بلاغى ظفرت به مصر فى القرن السابع الهجرى، وله كتابان: تحرير التحبير فى صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، وكتاب بديع القرآن.
والكتابان جميعا فى دراسة البديع وألوانه فى الشعر والنثر وآى القرآن الكريم، وواضح من عنوان ثانيهما أنه خاص ببديع الذكر الحكيم، والكتابان منشوران بالقاهرة. ويذكر ابن أبى الإصبع فى تقديمه للكتابين مصادره ومنها نتبيّن أنه لم يكد يترك كتابا ألف فى البلاغة وفنون البديع وإعجاز القرآن الكريم إلا رجع إليه، من ذلك نظم القرآن للجاحظ وبديع ابن المعتز ونقد الشعر لقدامة وحلية المحاضرة للحاتمى والمنصف لابن وكيع المصرى والصناعتين لأبى هلال العسكرى والنكت فى إعجاز القرآن للرمانى وإعجاز القرآن للباقلانى والمجاز للشريف الرضى والموازنة للآمدى والوساطة لعلى بن عبد العزيز الجرجانى والعمدة لابن رشيق وسرّ الفصاحة لابن سنان الخفاجى ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجانى والكشاف للزمخشرى ونهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز للفخر الرازى والمثل السائر لابن الأثير وبديع شرف الدين التيفاشى إلى غير ذلك من مصنفات كثيرة. وإنما ذكرنا الأمهات لندل على أن كتب البلاغة والبديع كانت تدرس فى مصر، وكان المصريون يعكفون على قراءتها فهما وفقها ودراسة واستنباطا. ويعرض ابن أبى الإصبع فى كتابه
(١) انظر ترجمة ابن شيث فى فوات الوفيات ١/ ٥٦٠ وشذرات الذهب ٥/ ١١٧ والطالع السعيد للإدفوى ١٦٠ وكتابه: «معالم الكتابة» طبع ببيروت سنة ١٩١٣.