للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتح الخليج فسال منه الماء ... وعلت عليه الراية البيضاء

فصفت موارده لنا فكأنه ... كفّ الإمام فعرفها الإعطاء

فانتقد عليه الناس قوله: «فسال منه الماء» قالوا أى شئ يخرج من النهر غير الماء. وبذلك ضيّعوا عليه ما قاله بعد هذا المطلع. وأنشد شاعر مدحة افتتحها بقوله:

لمن اجتماع الخلق فى ذا المشهد ... للنّيل أم لك يابن بنت محمّد

فهلّل الناس لمطلعه، فأمر له الخليفة الآمر على الفور بخمسين دينارا وخلع عليه وزيد فى جاريه. ومرّ بنا حديث المنظرة التى بناها الآمر للشعراء ببركة الحبش ورفوفها وما كان عليها من صرر للشعراء وفى كل صرّة خمسون دينارا جزاء وفاقا لمديحهم، وكأن ذلك كان مكافأة معلومة لهم. ويخلفه الحافظ (٥٢٤ - ٥٤٤ هـ‍) ويبدو أن الشعراء كانوا يتمادون أيامه فى تطويل مدائحهم، فأمرهم أن يختصروها مما جعل أبا العباس أحمد بن مفرّج ينشده فى إحدى مدائحه (١):

أمرتنا أن نصوغ المدح مختصرا ... لم لا أمرت ندى كفّيك يحتصر

والله لا بدّ أن نجرى سوابقنا ... حتى يبين لها فى مدحك الأقر

فأمر الآمر بالعود إلى ما كانوا عليه.

وكان الصليبيون قد استولوا على بيت المقدس منذ أواخر القرن الخامس، وأسسوا به مملكة وأضافوا إليها مملكة فى طرابلس وثالثة فى أنطاكية ورابعة فى الرّها، وبلغت مصر حينئذ من الضعف مبلغا بعيدا لم تستطع خلاله أن تقاومهم إلا بعض تجريدات عسكرية وخاصة فى عهد وزيرها طلائع بن رزّيك، تجريدات لم تغن عنها شيئا. وبينما اليأس يخيم على الناس إذا بعماد الدين زنكى يخلّص الرّها من أيديهم، ويقضى على مملكتهم فيها قضاء مبرما، ويتابع جهاده ابنه نور الدين، ويستغيث به شاور فى مصر ضد ضرغام فيرسل إليه أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين، وتتطور الظروف سريعا، فينهى صلاح الدين حكم الفاطميين لمصر، ويقبض على صولجان الحكم. ويتوفّى نور الدين، فيضم الشام تحت لوائه، ويأخذ فى الانقضاض على الصليبيين، وكلما التقى بهم دمّر جموعهم تدميرا، حتى كانت الموقعة الفاصلة: موقعة حطّين التى


(١) الخريدة (قسم شعراء مصر) ٢/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>