للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استولى فيها المسلمون على الصليب الأعظم: صليب الصّلبوت، وأسروا قواد الصليبيين وزعماءهم ومزقوا جموعهم شر ممزق. ويقول المؤرخون إنهم أكثروا منهم فى القتل والأسر حتى كان من يشاهد القتلى يظن أنه ليس وراءهم أسرى وكان من يشاهد الأسرى يظن أنه ليس وراءهم قتلى، ويقولون إنه بلغ من كثرة الأسرى أن كان الأسير منهم يباع فى أسواق الرقيق بثلاثة دنانير، وفى هذا النصر العظيم أنشد العماد الأصبهانى صلاح الدين مدحة رائعة يقول فيها (١):

حططت على حطّين قدر ملوكهم ... ولم تبق من أجناس كفرهم جنسا

بطون ذئاب الأرض صارت قبورهم ... ولم ترض أرض أن تكون لهم رمسا (٢)

سبايا بلاد الله مملوءة بها ... وقد شريت بحسا وقد عرضت نحسا (٣)

يطاف بها الأسواق لا راغب لها ... لكثرتها كم كثرة توجب الوكسا (٤)

وفتحت لصلاح الدين بعد هذه المعركة أبواب مدن كثيرة فى فلسطين ولبنان مثل نابلس وبيت جبريل (بير سبع) وقيسارية وحيفا وصيداء وبيروت. وتغنى الشعراء فى مصر والشام والعراق بهذا النصر المبين. وسرعان ما تلاه صلاح الدين بفتح بيت المقدس، وعمّ الفرح بهذا الفتح جميع البقاع الإسلامية، وتغنّى به الشعراء طويلا من مثل قول محمد بن أسعد نقيب الأشراف بمصر (٥):

أترى مناما ما بعينى أبصر ... القدس يفتح والفرنجة تكسر

قد جاء نصر الله والفتح الذى ... وعد الرسول فسبّحوا واستغفروا

فتح الشّام وطهّر القدس الذى ... هو فى القيامة للأنام المحشر

وكان هذا تحولا واسعا فى قصيدة المديح المصرية، فإنها لم تعد-كما كانت أيام الفاطميين- قصيدة تنشد فى الأعياد والاحتفالات الرسمية: قصيدة مناسبات، بل أصبحت قصيدة أمجاد حربية مظفرة. وتنبّه لذلك أبو شامة فى الروضتين فأتبع المواقع الحربية بما نظم فيها من مدائح تصور البطولة العربية تصويرا يملأ نفس كل عربى بالفتوة والقوة والمضاء ويدفعه دفعا إلى أن يكيل لأعداء العروبة والإسلام ضربات قاصمة.


(١) الروضتين لأبى شامة ٢/ ٨٣.
(٢) رمسا: قبرا.
(٣) نخسا: من النخاسة وهى بيع الرقيق.
(٤) الوكس: البيع بالخسارة.
(٥) الروضتين ٢/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>