للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يكثر المديح الحماسى لصلاح الدين فحسب، بل يكثر أيضا لقواده من إخوته، وخاصة أخاه العادل، وفيه يقول القاضى الفاضل من قصيدة بديعة (١):

أهذى كفّه أم غيث غوث ... ولا بلغ السحاب ولا كرامه

وهذا بشره أم لمع برق ... ومن للبرق فينا بالإقامه

وهذا الجيش أم صرف الليالى ... ولا سبقت حوادثها زحامه

وهذا الدهر أم عبد لديه ... يصرّف عن عزيمته زمامه

وهذا التّرب أم خدّ لثمنا ... فآثار الشفاه عليه شامه

ويعرف هذا الأسلوب فى البديع باسم تجاهل العارف مبالغة فى المديح، فالقاضى الفاضل لا يدرى أكرم ما يصيبه هو وأمثاله من العادل أم غيث سحاب منهمر، بل إن السحاب دون كرمه الفياض. ولا يدرى أبشر وجهه الذى يتلألأ أم البرق؟ غير أن البرق يعرض ويزول أما هو فمقيم لا يريم. وأيضا لا يدرى ما يقوده إلى النصر جيش أم هو صرف الليالى، بل إن الدهر عبد لديه يصدع بأمره ومشيئته، ويعجب لما يسير عليه وكأنه يسير على خدود يرى عليها آثار الشفاه التى تقبل الأرض من دونه، لكثرة الحشود المزدحمة على تقبيلها، وكأنها نفس الشامة التى نراها على الخدود.

ويظل جهاد الصليبيين الموضوع الأهم فى مدائح السلاطين الأيوبيين حتى إذا كانت سنة ٦١٥ غزا حملة الصليب دمياط لعهد السلطان الكامل، وظلوا بها نحو ثلاث سنوات، وحدّثتهم أنفسهم أن يتقدّموا إلى الجنوب نحو المنصورة واستنفر السلطان الكامل أخويه المعظم عيسى صاحب دمشق والشام والأشرف موسى صاحب الولايات الشرقية حتى الفرات. وتجمعت جيوشهم وأنزلت بحملة الصليب هزائم ساحقة ولّوا على إثرها فارين إلى البحر المتوسط وما وراءه.

وتغنّى البهاء زهير بهذا النصر المجيد فى مدحة أنشدها السلطان الكامل وفيها يقول (٢):

بك اهترّ عطف الدّين فى حلل النّصر ... وردّت على أعقابها ملّة الكفر

وما فرحت مصر بذلك وحدها ... لقد فرحت بغداد أكثر من مصر

فمن مبلغ هذا الهناء لمكّة ... ويترب ينهيه إلى صاحب القبر


(١) خزانة الأدب للحموى (طبع مطبعة بولاق) ص ١٥٥.
(٢) البهاء زهير للشيخ مصطفى عبد الرزاق (طبعة سنة ١٣٥٤ هـ‍) ص ٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>