تشرّط من أحبّ فذبت وجدا ... فقال وقد رأى جزعى عليه
عقيق دمى جرى فأصاب خدّى ... وشبه الشئ منجذب إليه
وتشبيه الحاجب بالقوس وانجذابه إليه طبيعى، أما انجذاب الدم إلى الخّد وتشبيهه به فنافر منه بعيد.
وابن نباتة فى شعره يمثل بحق ما تمتاز به الروح المصرية من الخفة والرشاقة. ويذكر السبكى فى كتابه طبقات الشافعية أنه مدح ابن الّزملكانى بتائية رائعة بدأها بالغزل ووصف الخمر، وأنشدها ثم قال:«حاول أدباء عصره معارضته فيها فلم يحسنوا إحسانه، بل قصّروا وتأخروا ولم يلحقوا شأوه»(١). وأروع مدائحه ما نظمه فى المؤيد صاحب حماة وابنه الأفضل ثم بعد ذلك فى السلطان حسن، وقد دبّح فى المؤيد نحو أربعين قصيدة ومقطوعة من مثل قوله:
لو أنّ للبحر جدواه لفاض على ... وجه الثّرى بنفيس الدرّ منضود
ولو أمرّ على صلد الصّفا يده ... لأنبت العشب منها كلّ جلمود
يا حبّذا الملك السارى على شيم ... تروى وتنقل عن آبائه الصّيد
وهو دائم الإشادة بجوده الفياض على العفاة والسائلين، ويكثر من مديح أسرته الأيوبية وآبائه الصيد الشجعان وما شادوا لأنفسهم من بيت فخار مدّوه فى أعلى السموات ولا يزال يتألق ويضئ بين الكواكب. وكان المؤيد مؤرخا كبيرا، وعالما فى العربية والفقه والأصول والطب والفلك والمنطق والفلسفة، وينوه ابن نباتة مرارا بعلمه من مثل قوله مشيرا إلى تصانيفه الكثيرة:
العالم الملك السيار سؤدده ... فى الأرض سير الدّرارى بين أفلاك
وقوله:
وللعلوم تصانيف بدت فغدت ... نعم السّوار على الإسلام والسّور
وكان مولعا بالتورية كما أسلفنا، وكان يدخلها فى مدائحه للمؤيد، وورّى كثيرا باسم مدينته حماة عن الحماة الحقيقية، ومن تورياته الطريفة فى مديحه قوله: