أقسمت ما الملك المؤيّد فى الورى ... إلا الحقيقة والكرام مجاز
هو كعبة للفضل، ما بين النّدى ... منها وبين الطالبين حجاز
وواضح أنه ورّى فى كلمة «مجاز» فلم يرد بها المعنى القريب المقابل للحقيقة، وإنما أراد بها المعنى البعيد وهو المعبر، وورّى فى كلمة «حجاز» فلم يرد بها المعنى القريب الذى تشير إليه كلمة الكعبة وهو الحجاز إقليم الكعبة المعروف، وإنما أراد المعنى البعيد وهو الحاجز، ومن ذلك قوله فى مديح المؤيد:
يذكّرنا أخبار معن بجوده ... وننشى له لفظا فينشى لنا معنا
ومعن بن أوس المزنى مشهور بجوده فى مفتتح العصر العباسى شهرة حاتم فى الجاهلية، وقد ورّى آخر البيت فى مدلول كلمة معنى، فلم يرد بها المعنى القريب المقابل للفظ وإنما أراد بها معنا المزنى.
وممدوحه الثانى فى الديوان بعد المؤيد ابنه السلطان الأفضل، وقد أنشده حين تولى إمارة حماة بعد أبيه تهنئة بسلطنته وتعزية له عن أبيه، تعدّ من فرائد الشعر العربى، وفيها يقول:
هناء محا ذاك العزاء المقدّما ... فما عبس المحزون حتى تبسّما
ثغور ابتسام فى ثغور مدامع ... شبيهان لا يمتاز ذو السّبق منهما
مليكان هذا قد هوى لضريحه ... برغمى وهذا للأسرّة قد سما
كأنّ ديار الملك غاب إذا انقضى ... به ضيغم أنشا به الدهر ضيغما
فإن يك من أيوب نجم قد انقضى ... فقد أطلعت أوصافك الغرّ أنجما
وإن تك أيام المؤيد قد مضت ... فقد جدّدت علياك وقتا وموسما
هو الغيث ولّى بالثّناء مشيّعا ... وأبقاك بحرا بالمواهب منعما
وعلى هذا النحو تمضى تهنئة الأفضل جامعة بين النقيضين فى كل بيت: بين المدح والرثاء، وفى ذلك ما يصور براعة ابن نباتة وحدة ذهنه وذكائه وخصب شاعريته وسهولة أسلوبه، وهى سهولة تتمم سهولة أشعار ابن سناء الملك، بل سهولة أشعار المصريين عامة، سهولة تقترن بعذوبة، وكأنها نفس عذوبة مياه النيل، وكان يحس ذلك معاصروه إزاء أشعاره وما تقترن به من حلاوة، فقالوا إن أشعاره سكر نبات أو قطر نبات. وله فى مديح الأفضل وآبائه الأيوبيين: