للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيد حسين الإدكاوى قصيدة أنشدت وقت الصلاة عليه مطلعها (١):

ما بين حرقة أدمعى وتولّهى ... نار يؤجّجها لهيب تولّهى

يا أرض ميدى يا سماء تشقّقى ... يا شمس نوحى يا نجوم تأوّهى

والمبالغة واضحة فى البيت الثانى

وكان وتر الشكوى من الزمن وأحواله وتقلباته ونوائبه ورزاياه ومن نكد الحظوظ وبؤس الحياة مشدودا دائما إلى قيثارات الشعراء يتغنون عليه آلامهم وأحزانهم وما يصيبهم من شر الحياة ونكرها ومن ضعة الحظوط التى كتبت عليهم فيها، ومن نزول المصائب التى تعصف بهم، من مثل قول تميم بن المعز (٢):

أما والذى لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسرّ المكتّم أعلم

لئن كان كتمان المصائب مؤلما ... لإعلانها عندى أشدّ وآلم

صبرت عن الشكوى خياء وعفة ... وهل يشتكى لدغ الأراقم أرقم (٣)

وبى كلّ ما يبكى العيون أقلّه ... وإن كنت منه دائما أتبّسم

وكان تميم يعيش فى نعيم لأنه ابن المعز مؤسس الدولة الفاطمية بمصر، غير أنه كان أكبر أبنائه وصرف ولاية العهد عنه إلى أخيه عبد الله حتى إذا توفى صرفها إلى أخيه نزار الملقب بالعزيز الفاطمى. وعاش تميم يتجرع مرارة هذه الغصّة دون أن يستطيع التفوه بكلمة، إلا مثل هذه الأبيات التى كان ينفس بها عما يجثم فى دخائله من ألم مرير. ويردد شعراء الدولة الفاطمية بعده شكواهم من الحياة وكوارثها والحظ وبؤسه وقصوره عن أمانيهم كقول ظافر الحداد (٤):

ولى همّة تبغى النجوم وحالة ... تصحّف ما تبغيه فهو لنا ضدّ

إذا رفعتنى تلك تخفض هذه ... فكلّ تناو فى إرادته الحدّ (٥)

فما حال شخص بين هاو وصاعد ... وليس له عن واحد منهما بدّ

تولتنى الأرزاء حتى كأنما ... فؤادى لكفّى كلّ لاطمة خدّ

فهمته ما تزال تصعد به حتى يصافح النجوم وحظه ما يزال يهبط به حتى يهوى إلى الدّرك


(١) تاريخ الجبرتى ١/ ١٨٩.
(٢) الديوان ص ٣٩٨.
(٣) الأرقم: الأفعوان.
(٤) الخريدة (قسم شعراء مصر) ٢/ ٣.
(٥) الحد: المنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>