للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسأله سائل: من أين أخذ الأعشى قوله ومذهبه فأجاب: «من قبل العباديين نصارى الحيرة، كان يأتيهم يشترى منهم الخمر، فلقنوه ذلك (١)».

ويبعد أن يكون الأعشى حقّا قد تغلغل نظره كل هذا التغلغل، فإذا هو يقول بالقدر وأن الإنسان حرّ فى تصرفاته، ولا يكتفى بذلك، بل يقول بالعدل على الله كما تقول المعتزلة، والمعقول أن يكون يحيى هو الذى وضع البيت، بل لقد شك ابن قتيبة فى القصيدة جميعها، وقال بعد أن روى طائفة من أبياتها هذا شعر منحول (٢). وينبغى أن نشك كما شك ابن قتيبة فى قصائد الأعشى الأخرى التى تصور أفكارا مسيحية أو أفكارا إسلامية، أما الأفكار المسيحية فلأن راويه الذى نشره نصرانى، وأما الثانية فلأنها معان جديدة لم تعرفها الجاهلية لاهى ولا كل ما يتصل بها من ألفاظ القرآن وأساليبه. ويصور ذلك تصويرا واضحا قصيدته رقم ١٧ التى قالوا إنه مدح بها الرسول صلوات الله عليه، مع أنه-كما قدمنا-لم يلقه وصدّته قريش عن لقائه، وبمجرد أن نقرأ القصيدة وقوله فيها:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التّقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزوّدا

ندمت على أن لا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد لما كان أرصدا (٣)

فإياك والميتات لا تأكلنّها ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا (٤)

وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه ... ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا (٥)

وصلّ على حين العشيّات والضّحى ... ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا

ولا السائل المحروم لا تتركنّه ... لعاقبة ولا الأسير المقيّدا

ولا تسخرن من بائس ذى ضرارة ... ولا تحسبنّ المرء يوما مخلّدا (٦)

ولا تقربنّ جارة إنّ سرّها ... عليك حرام فانكحن أو تأبّدا (٧)


(١) الأغانى ٩/ ١١٣ وما بعدها.
(٢) الشعر والشعراء (طبعة دار المعارف) ص ١٤
(٣) أرصد: أعد وهيأ.
(٤) يشير إلى أنه لا بد من الذبح كما تقضى تعاليم الإسلام.
(٥) النصب: حجارة كانوا ينصبونها حول الكعبة ويقدمونها أو هى الأوثان.
(٦) الضرارة: ذهاب البصر أو النقص فى الأنفس والأموال.
(٧) السر هنا: البضع. النكاح: الزواج. التأبد: البعد عن النساء والتعزب.

<<  <  ج: ص:  >  >>