للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثلها القصيدة رقم ١٥ التى أنشد فيها منتحلها قسمه بثوبى راهب اللج فقال:

وإنى وثوبى راهب اللّجّ والتى ... بناها قصىّ والمضاض بن جرهم (١)

وحقا إنه أضاف إلى ثياب الراهب القسم بالكعبة، ولكن مما يزيد الشبهة فى القصيدة أننا نجد فيها هذا البيت، يهجو به خصمه:

وما جعل الرحمن بيتك فى العلا ... بأجياد غربىّ الفناء المحرّم (٢)

ولم تشع كلمة الرحمن بين الشعراء إلا فى الإسلام أخذا من قوله تعالى {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، وقد دارت فى القرآن الكريم. ونقف نفس الموقف من القصيدة رقم ٢٣ للبيت الذى مر بنا والذى يقسم فيه بالمسيح وضرب الراهب للناقوس. ومما لا شك فيه أن قوله فى قصيدة النعمان رقم ٢٨:

فلا تحسبنّى كافرا لك نعمة ... علىّ شهيد شاهد الله فاشهد

مما يضعفها، لأنه يلخص فكرة الملائكة الشاهدين المعروفة فى الإسلام.

وقد شك ابن قتيبة فى القصيدة رقم ٣٥ وبها بيت القدر الذى أنشده يحيى بن متى فيما أسلفنا. وتكاد تكون القصيدة رقم ٦٦ فى كثير من أبياتها نظما لمواد قرآنية على هذه الشاكلة:

وربّك لا تشرك به إن شركه ... يحطّ من الخيرات تلك البواقيا

بل الله فاعبد لا شريك لوجهه ... يكن لك فيما تكدح اليوم راعيا

وقد مضى واضعها يدعو إلى تقوى الله وصلة الرحم وردّ الأمانات إلى أهلها والتعفف عن الجارة، ويقول محذرا من معصية الله: «فإنك لا تخفى على الله خافيا» ويقول أيضا «كفى بكلام الله عن ذاك ناهيا». فلا شك فى أن هذه القصيدة إسلامية. على أنها تلفتنا إلى شئ مهم، وهو أن الأعشى أضيفت إليه أشعار تذهب مذهب العظة والاعتبار، ولا نرتاب فى أن يحيى بن متى لعب فى ذلك


(١) اللج: غدير عند دير هند. ويريد بثوبيه أعماله الصالحة. ومعروف أن أمر الكعبة كان إلى جرهم ثم صار إلى قصى.
(٢) أجياد: موضع فى بطحاء مكة، والفناء المحرم: حرم مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>