للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترداد الأوصاف المادية الحسية للمرأة، فحسبه أن يصور عاطفته إزاءها فى رقة متناهية. وهيأ ذلك قديما لغزله أن يكثر التغنّى به فى ديار الجزيرة والموصل وفى الشام ومصر واليمن (١) لرقته ورشاقته وصفاء موسيقاه، ومازال المغنون والمغنيات يتغنون بأشعاره، وتتغنّى بها السيدة أم كلثوم وغيرها، ومن ذلك قوله:

أفديه إن حفظ الهوى أو ضيّعا ... ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا

من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه ... حلوا فقد جهل المحبّة وادّعى (٢)

يا أيها الوجه الجميل تدارك الصّ‍ ... بّ النّحيل فقد وهى وتضعضعا

هل فى فؤادك رحمة لمتيّم ... ضمّت جوانحه فؤادا موجعا

هل من سبيل أن أبثّ صبابتى ... أو أشتكى بلواى أو أتضرّعا

وهو يفدى محبوبه بروحه سواء حفظ العهد أو ضيّعه فهو لا يملك إزاءه فى الحالين إلا أن يزداد تعلقا بحبه وشغفا، بل إنه ليتقبل ظلمه ويجده شرابا سائغا، وإلا حق عليه أنه دعىّ حب.

ويتضرع إليه أن يتداركه، فإن كل شئ فيه حتى بدنه وهن ولم يعد يستطيع احتمالا، ويسترحمه لوهن جسده وأوجاع روحه، لعله يستطيع أن يبثه شيئا من حبه أو من محنته فيه. ولا تقلّ جمالا وروعة عن هذه الأغنية فى أيامنا الأغنية التالية:

أمانا أيّها القمر المطلّ ... فمن جفنيك أسياف تسلّ

يزيد جمال وجهك كلّ يوم ... ولى جسد يذوب ويضمحلّ

وما عرف السقام طريق جسمى ... ولكن دلّ من أهوى يدلّ

إذا نشرت ذوائبه عليه ... ترى ماء يرفّ عليه ظلّ (٣)

وقد يهدى صباح الخدّ قوما ... بليل الشّعر قد تاهوا وضلّوا

وابن النبيه يتوسل إلى صاحبته أن لا تسل عليه أسياف جفنيها وأن تبقى عليه فلا تفتك به، حتى يتمتع بجمال وجهها الذى يزداد ويتضاعف كل يوم، بينما يذوب بدنه اضمحلالا وتضاؤلا ونحولا. وما عرف السقم يوما طريقا إليه إلا عن طريق حبه لها وهيامه بها، بينما هى تدل عليه


(١) انظر كتاب شعر الغناء الصنعانى للدكتور محمد عبده غانم (طبع دار الكاتب العربى ببيروت) ص ١٧٧.
(٢) الظلم بفتح الظاء: ريق الثغر وبريقه.
(٣) الذوائب: ضفائر الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>