للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتزداد كل يوم دلالا وإعراضا. وماذا يبصر؟ إنه لا يبصر إلا جمالا فاتنا وجسدا ساحرا رقيقا رقة الماء يهتز عليه من الشّعر ظل ناضر باهر. ويقول:

يا ساكنى السّفح كم عين بكم سفحت ... نزحتم فهى بعد البعد قد نزحت

لهفى لظبية إنس منكم نفرت ... لا بل هى الشمس زالت بعد ما جنحت

بيضاء حجّبها الواشون حين وشوا ... عنى ولو لمحت صبغ الدّجى لمحت

يقتصّ من وجنتيها لحظ عاشقها ... إن ضرّجت قلبه باللّحظ أو جرحت

من لى بسلمى وفى أجفان مقلتها ... للحرب بيض حداد قطّ ما صفحت

وأسود الخال فى محمّر وجنتها ... كمسكة نفحت فى جمرة لفحت

وفى القطعة جناس بين «السفح وسفحت» بمعنى صبّت العين الدمع، وكذلك بين «نزحتم» بمعنى بعدتم و «نزحت» العين بمعنى نفد دمعها، وأيضا بين «الواشون» و «وشوا» فى البيت الثالث وبين «لمحت» من لمح البصر واختلاسه و «محت» فى آخر البيت من المحو والإزالة، والبيت الأخير به جناس ناقص بين «نفحت ولفحت». والجناسات جميعها جناسات خفيفة على اللسان والآذان، لأن صانعها موسيقى ماهر فى قياس الأنغام، وهو فى أول القطعة يشكو لساكنى السفح من كثرة ما سفحت دموعه وسكبت حتى لقد جفّت عيناه، ويقول كأن محبوبته سلمى ظبية نافرة بل لكأنها الشمس مالت إلى الغروب ولو أنها أطلت بطلعتها المضيئة على الليل لمحت ظلمته محوا، ويتخيل كأنما يقتصّ بالنظر إلى وجنتيها من جرحها لقلبه جرحا لا يندمل أبدا.

وهى مبالغة مسرفة. ويتمنى لقاء سلمى مع ما قد يصيبه من فتك عينيها الساحرتين، ويتصور الخال فى خدها الوردى كجنّة من المسك تعلقت بجمرة لافحة، فانتشر منها أريج عطر. ومن غزله الذى يقطر حسنا ورقة قوله:

تعالى الله ما أحسن ... شقيقا حفّ بالسّوسن

خدود لثمها يبرى ... من الأسقام لو أمكن

فما تجنى وحارسها ... بقفل الصّدغ قد زرفن (١)


(١) زرفن الصدغ: جعل الشعر المسدل على الخدود كالحلقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>