للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبثّ هواه من حرق ... لنجم الليل لمّا جنّ

وكم أسكنته قلبى ... فسار وأحرق المسكن

وهو يعلن افتتانه بجمال صاحبته واحمرار خدودها المشبهة لورد الشقيق المحفوفة بخصل السوسن من شعرها الذهبى، ويقول إن لثم خدودها يبرئ السقم، ولكن من يستطيع أن يصل إليها؟ إن أحدا لا يمكنه أن يقتطف من خدودها شيئا من زهرات الحب، فإن وراءها حارس أمين من شعرها لوى على خدودها قفلا كالحلقة، فلا يستطيع أحد إليها وصولا. وإنه ليبث هواه وما يذوقه من حرارته اللافحة للنجم حين جنّ الليل ودجت ظلماته، معلنا إليه هذا الهوى الذى لم يعد يستطيع اكتمانه. ويأسى لنفسه ومصيره، فكم أسكن محبوبته قلبه فعبثت به بل أحرقته وأتت عليه. ومن غزله الرائع:

أما وبياض مبسمك النّقىّ ... وسمرة مسكة اللّعس الشّهىّ (١)

لقد أسقمت بالهجران جسمى ... وأعطشنى وصالك بعد رىّ

إلى كم أكتم البلوى ودمعى ... يبوح بمضمر السّرّ الخفىّ

وكم أشكو للاهية غرامى ... فويل للشّجىّ من الخلىّ

تغازلنى وتزوى حاجبيها ... كما انبرت السّهام عن القسىّ

وتخترق الصفوف بريق فيها ... وهل يخفى شذى المسك الشّذىّ

يذود شبا القنا عن وجنتيها ... كمنع الشّوك للورد الجنىّ (٢)

إذا ما رمت أقطفه بعينى ... تقول حذار من مرعى وبىّ (٣)

وابن النبيه يقسم لمحبوبته بمبسمها الفاتن وسمرة شفاهها اللعس أنها أسقمت جسمه بهجرانها بعد الوصال وبما أصابته به من ظمأ بعد رىّ، ويقول إلى كم أكتم محنتى فى الحب ودمعى يبوح بسرّى وإلى كم أشكو للاهية عنى، وصدق المثل القديم: ويل للشجى من الخلى. ويعجب أنها تغازله أو تمد له أسباب الغزل، بينما تقطّب حاجبيها وتزوى ما بينهما، ويلتمس لها عذرا، فكأن حاجبيها قوسان يرسلان السهام، ولا بد لهما كالقوس ووترها من الشد والجذب فى أثناء الرمى


(١) اللعس: سواد الشفة.
(٢) شبا القنا: حد الرماح.
(٣) وبى: وخيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>