للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبعت على اللين والرقة والدماثة، مما انعكست آثاره عند ابن سناء الملك وابن النبيه. ومن الحق أن البهاء زهير كأنما خلق ليبلغ بتصوير هذه النفس كل ما يسمها من عذوبة وخفة ظل ورشاقة.

وربما كان من أسباب اندلاع هذا الغزل الوجدانى على لسان البهاء زهير ما أشرنا إليه فى صدر حديثنا عنه من أن أباه كان صوفيا أو على صلة بالتصوف والصوفية مما جعله يحفظ مبكرا-وتدور على لسانه-أشعارهم المليئة بالوجد الإلهى وتباريحه، وانطبع هذا الوجد فى نفسه وبثّه فى حبه.

وجعل اختلاطه بهذه البيئة يعمّق هذا الوجد وأشواقه بأكثر مما عمقه فى نفوس الشعراء من حوله، وإن كنا نستبقى بصفة عامة أثر هذا الوجد الصوفى فى غزلهم جميعا، مما دفع بقوة لظهور هذا الغزل الوجدانى الصادق. ومعروف أن صوفية مصر من أمثال ابن الكيزانى وابن الفارض ممن سنتحدث عنهم فى غير هذا الموضع بثّوا فى أشعارهم وجدا لا ضفاف له، وكأن البهاء زهير استمد جذوة من هذا الوجد المبرّح نشر شررها فى غزله. وكثيرا ما نعثر عنده على أبيات تصور تأثره بالصوفية كقوله فى بعض غزله:

أنا فى الحقيقة أنتم ... هذا اعتقادى فيكم

ولو أننا لم نعرف أن البيت له وسئلنا لمن هذا البيت لقلنا إنه لأحد الصوفية يعبر فيه عن مبدأ الاتحاد المعروف عندهم: اتحاد المحب بالمحبوب. ومن ذلك قوله:

يا من إليك المشتكى ... أنت العليم بحاليه

وكأنه متصوف يخاطب الذات العلية ضارعا مستعطفا، وهو إنما يخاطب صاحبته التى دلعت نار الحب فى فؤاده. وهذا الجانب من غزل البهاء زهير جعل بعض قصائده تلتبس عند الأسلاف بقصائد ابن الفارض، من ذلك رائيته المشهورة التى يقول فيها:

غيرى على السلوان قادر ... وسواى فى العشاق غادر

أشكو وأشكر فعله ... فاعجب لشاك منه شاكر

لا تنكروا خفقان قل‍ ... بى والحبيب لدىّ حاضر

ما القلب إلا داره ... ضربت له فيها البشائر

يا ليل طل يا شوق دم ... إنى على الحالين صابر

لى فيك أجر مجاهد ... إن صحّ أنّ الليل كافر

<<  <  ج: ص:  >  >>