والقصيدة فى ديوان البهاء زهير، وهى أيضا فى ديوان معاصره ابن الفارض المتصوف المشهور، وفى رأيى أن الالتباس الذى جعل الرواة يظنون أن القصيدة لابن الفارض جاءهم من أنها تحمل فكرة الغيبة والحضور التى يرددها كثيرا ابن الفارض فى غزله الربانى، على نحو ما يلاحظ فى البيت الثالث، وإن اختلف المنزعان فى الفكرة، وبالمثل البيت الرابع فقد يشير من طرف خفى كسابقه إلى فكرة الاتحاد بالمحبوب. وفى البيتين: الأول والثانى جناسات ناقصة وفى البيت الأخير تورية بالكفر بمعنى الشرك بالله والمراد الستر. على كل حال يلفتنا الالتباس بين شعر البهاء زهير وابن الفارض إلى ما قلناه من أن أصداء من الوجد الصوفى انعكست فى شعر البهاء زهير. ويبدو أن انعكاسها بدأ مبكرا، إذ نراها واضحة فى غزل قصيدة يمدح بها مجد الدين اللمطى إذ يقول:
لها خفر يوم اللقاء خفيرها ... فما بالها ضنّت بما لا يضيرها (١)
أعادتها أن لا يعاد مريضها ... وسيرتها أن لا يفكّ أسيرها
وها أنذا كالطّيف فيها صبابة ... لعلى إذا نامت بليل أزورها
من الغيد لم توقد مع الليل نارها ... ولكنها بين الضلوع تشيرها
يقاضى غريم الشّوق منى حشاشة ... مروّعة لم يبق إلا يسيرها
والصور فى القطعة دقيقة فخفر صاحبته أو خجلها وحياؤها يحرسها يوم لقائه، فلماذا تبخل عليه بما لا يضيرها؟ وهل من عادتها أن لا تعود مريضها ومن سيرتها أن لا تفك قيود أسيرها؟ .
وهو تضرع وتوسل لطيف. ويقول إنه أصبح كالطيف شبحا متضائلا نحيلا. ويتسع به الخيال فيتمنى لو أصبح طيفا حقا وزارها فى المنام وتضاعيف الأحلام. وهى صورة طريفة من مبتكرات خياله. ويقول إنها لم توقد نارها ليلا كعادة الناس اكتفاء بإيقادها بين ضلوعه وجوانحه. ويقول إنه لم يبق منه إلا بقية روح مروّعة من حبها مفزّعة. وفى القطعة جناسات وتصاوير لا نحس فيها بتكلف، بل نحس كأنها جوهر الأبيات ومعانيها. ووراء هذه القطعة قطع وقصائد كثيرة تسيل رقة وخفة وعذوبة، مع مسّها للقلب بما يودعها من كلمات تشيع حتى أيامنا فى اللغة اليومية الدارجة من مثل قوله: