للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشياطين تسقط عليهم أبيات قصيدة كشهب الرّجم فيحترقون ويستحيلون رمادا تذروه الرياح.

وقلما نلتقى فى الحقبة العثمانية بفخر إلا ما يتصل بالشمائل والأخلاق الكريمة.

ومنذ سال الشعر على ألسنة المصريين سال معه هجاء كثير، وكان الشعراء يقذفون بسهامه- كما مر بنا فى غير هذا الموضع-الولاة والقضاة كلما انحرفوا عن الصراط السوىّ على نحو ما يصور ذلك كتاب الولاة والقضاة للكندى. ومعروف أن أحمد بن طولون استقل بمصر وأسس بها الدولة الطولونية، وضم إلى لوائه الشام، وله أعمال مجيدة كثيرة، ولم يكن يخلو منه ظلم وعسف وسفك للدماء كما يقول ابن تغرى بردى وفى كتاب الولاة والقضاة شاعر يسمى محمد بن أبى داود كان كثيرا ما يهجوه مزريا على ما شاده من المارستان وغير المارستان، وفيه يقول من أشعار مقذعة كثيرة حتى بعد وفاته:

وكم ضجّة للناس من خلف ستره ... تضجّ إلى قلب عن الله مغفل

فقلبه غافل عن ذكر ربه وعن حوائج الناس وهم يضجون خلف حجابه وحرسه. ولا نشك فى أن ابن أبى داود ظلم ابن طولون، فقد كان يعنى بالرعية وبنى جامعه المشهور وعهد إلى بعض العلماء بالتدريس فيه. وأهاجى المتنبى فى كافور الإخشيدى مشهورة، وقد ظلمه بدوره ظلما بيّنا.

وكان المصريون قد احتفوا به حين نزوله فى الفسطاط وعقدوا له ندوة كبيرة ظلت طوال مقامه بين ظهرانيهم، وممن لزمه فيها وروى عنه شعره صالح بن رشدين، وعبيد الله بن أبى الجوع وله نقائض وأهاج مع صالح بن مؤنس، وله يقول صالح (١):

هاجيك فيما قاله مادح ... فأنت فى صفقتك الرابح

يا أيها الصّعو الذى لم يزل ... يرقص حتى دقّه الجارح (٢)

وهو يسمى هجاءه له مدحا لأن فيه ذكرا له، ومثله ليس شيئا حتى يذكر، ويقول له إنك عصفور صغير لا يزال يرقص على الأغصان من غصن إلى غصن حتى يدق عنقه صقر أو نسر جارح. ونمضى إلى زمن الدولة الفاطمية وما أخذت تنشره من عقيدتها الشيعية الغالية الرافضة.

وما زعمته للأئمة من نسبة إلى عالم القدس وأنهم من جوهر روحى مصفى وأنهم يعلمون الغيب


(١) اليتيمة ١/ ٣٨٩.
(٢) الصعو: العصفور الصغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>