للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما عرضنا له فى غير هذا الموضع. ويروى أن الخليفة العزيز بن المعز صعد المنبر فى يوم جمعة، فرأى ورقة كتب فيها شاعر مصرى هذين البيتين (١):

بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقه

إن كنت أعطيت علم غيب ... فقل لنا كاتب البطاقه

فتناولها العزيز وقرأها ولم ينبس ببنت شفة.

وظل شعراء مصر طويلا مغاضبين لهذه الدولة معرضين عنها، كما أسلفنا، وكان مما أثار حفيظتهم بالإضافة إلى نحلتها المنحرفة اتخاذها وزراء لها من اليهود ممن أعلنوا إسلامهم، وكان كثير من المصريين يشك فى صحة إسلامهم وأنهم يتخذون ذلك ذريعة للاستيلاء على الوزارة والمناصب الكبرى فى الدولة، وكان منهم صدقة بن يوسف الفلاحى وزير الخليفة المستنصر واتخذ أبا سعد التّسترىّ اليهودى مدبرا للدولة معه فصاح أحد الشعراء المصريين بالخليفة ساخرا غاضبا (٢):

يهود هذا الزمان قد بلغوا ... غاية آمالهم وقد ملكوا

العزّ فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك

وهى سخرية من المستنصر قاتلة، مما اضطره إلى النزول على إرادة الشاعر والشعب، فاعتقل الوزير الفلاحى ولقى حتفه على يده. وعلى نحو ما كان المصريون يتعرضون للفاطميين بالهجاء كانوا كذلك يتعرضون لوزرائهم هاجين هجاء مرّا على نحو ما هجا الشاعر جاسوس الفلك الجرجرائىّ وزير المستنصر وكان أقطع اليدين لخيانة ظهرت عليه فى أيام الحاكم، فلما ولى الوزارة استعمل الأمانة الزائدة والاحتراز الشديد فخاطبه جاسوس الفلك قائلا (٣):

يا أحمقا إسمع وقل ... ودع الرقاعة والتحامق

أمن الأمانة والتّقى ... قطعت يداك من المرافق

ولم يكن الوزير مصرى الأصل بل كان من جرجرايا من أرض العراق. واشتهر الناجى المصرى بمقطعاته الهجائية الكثيرة فى الأفضل بن بدر الجمالى وزير الخليفة الآمر، وفيه يقول (٤):


(١) النجوم الزاهرة ٤/ ١١٦
(٢) حسن المحاضرة ٢/ ٢٠١
(٣) ابن خلكان ٣/ ٤٠٨
(٤) الخريدة ٢/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>