للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونلتقى بظافر الحداد بعد تميم، وهو يذكّر دائما بالموت كقوله (١):

كن من الدّنيا على وجل ... وتوقّع سرعة الأجل

تخدع الإنسان لذّتها ... فهى مثل السّمّ فى العسل

أنت فى دنياك فى عمل ... والليالى فيك فى عمل

فالسعيد فى رأى ظافر من وضع الموت نصب عينيه، ولم يغتر بمتاع الحياة ولذتها فهى كالسم فى العسل، لا تزال تسرى فى الجسم، ولا تزال الأيام والليالى تعمل عملها فيه، حتى يفنى فجأة وعلى غير أهبة أو انتظار. ولا بن النّضر يدعو دعوة حارة إلى الزهد والقناعة (٢):

جهاد النّفس مفترض فخذها ... بآداب القناعة والزّهاده

فإن جنحت لذلك واستجابت ... وخالفت الهوى فهو الإراده

وإن جمحت بها الشهوات فاكبح ... شكيمتها بمقمعة العباده

عساك تحلّها درج المعالى ... وترفعها إلى رتب السعاده

وهو يحض على جهاد النفس وترويضها على الزهد فى طيبات الحياة، فإن خالفت هواها وأصغت لك فهى الأمنية المبتغاة، وإن استعبدتها الشهوات فاكبح جماحها بالنسك والعبادة، فهى خير مؤدب ومروّض مذلل لها حتى ترقى إلى درج المعالى وتصعد إلى رتب السعادة. ومن تبتلاته إلى ربه (٣):

يا مستجيب دعاء المستجير به ... ويا مفرّج ليل الكربة الدّاجى

قد أرتجت دوننا الأبواب وامتنعت ... وجلّ بابك عن منع وإرتاج

نخاف عدلك أن يجرى القضاء به ... ونرتجيك فكن للخائف الراجى

وهو تبتل وتضرع رقيق إلى الذات العلية، إذ يدعو الله المفرج لظلمات الكربة، الكاشف لليلها الداجى، أن يفتح له الأبواب بعد أن أغلق دونه كل باب، وإنه ليتعلق بالأمل فى رحمته


(١) الخريدة ٢/ ٨
(٢) الخريدة ٢/ ٩٥
(٣) الخريدة ٢/ ٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>