للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمة تمنع العدل أن يجرى القضاء به متوسلا بخوفه ورجائه فى رحمة الله الواسعة، ولابن سناء الملك (١):

أقول دارى وجيرانى مغالطة ... والقبر دارى والأموات جيرانى

فى وحشة القبر والدود المقيم به ... شغل لنفسى عن دارى وبستانى

سأوسع القبر بالأعمال أصلحها ... جهدى وألبس زهدى قبل أكفانى

فليست داره هى الدار الحقيقية له وليس جيرانه هم جيرانه الحقيقيون، فداره الحقيقية القبر وجيرانه الأموات حول قبره، وإنها لدار مفزعة، دار وحشة وديدان تنتظره، دار ضيقة وسيحاول أن يمد أطنابها بالأعمال الصالحة، وسيسرع إلى ثياب الزهد فى الحياة الدنيا يلبسها قبل أن يلبس أكفانه وينزل رمسه وحفرته المظلمة.

ويكثر ابن مطروح من مناجياته لربه كقوله (٢):

يا من علا فى ملكه فاقترب ... ومن بدا فى نوره فاحتجب

ومن هو القصد لأهل النّهى ... والمطلب الأسنى وكلّ الأرب

عوّدتنى الأنس فلا تنسنى ... وهبنى الرّحمة فيما تهب

وهو يتضرع إلى ربه الذى علا فى ملكوته وهو أقرب إليه من حبل الوريد، والذى يملأ الدنيا نورا وضياء من حوله، وهو محتجب لا يراه أحد، والذى هو المقصد والمطلب الأسى وكل الأرب والأمل، والذى عوده الأنس به، أن لا ينساه وأن يهبه من خزائنه العلية ورحمته الواسعة.

ويظل شعر الزهد والتبتل إلى الله مزدهرا زمن المماليك، من ذلك قول عبد الملك الأرمنتى القوصى المتوفى سنة ٧٢٢ متعلقا بعفو ربه (٣):

قالت لى النّفس وقد شاهدت ... حالى لا تصلح أو تستقيم

بأىّ وجه تلتقى ربّنا ... والحاكم العدل هناك الغريم

فقلت حسبى حسن ظنى به ... ينيلنى منه النعيم المقيم


(١) الديوان ص ٧٨٧.
(٢) ديوان ابن مطروح مع ديوان العباس بن الأحنف ص ٢١٢
(٣) طبقات الشافعية للسبكى ١٠/ ٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>