للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت وقد جاهرت حتى لقد ... حقّ له يصليك نار الجحيم

قلت معاذ الله أن يبتلى ... بناره وهو بحالى عليم

والمراجعة بين عبد الملك ونفسه طريفة، فهى تلومه على حاله المعوجة وسلوكه غير الصالح وتقول بأى وجه تلقى غريمك وهو ربك، فيرد عليها بأنه حسن الظن بإلهه وعفوه، وأنه سيدخله جنات النعيم، فتسأله متعجبة أتجهر بذلك ولا تخفيه، لقد حقت عليك النار. فيقول معاذ الله أن يصليه ربه الجحيم وهو العالم بحاله وصحة نيته فى إيمانه.

ويقول الحافظ المحدث شمس الدين أبو المعالى ابن القماح المتوفى سنة ٧٤١ للهجرة (١):

اصبر على حلو القضاء ومرّه ... واعلم بأن الله بالغ أمره

واثبت فكم أمر أمضّك عسره ... ليلا فبشّرك الصباح بيسره

واضرع إلى الله الكريم ولا تسل ... بشرا فليس سواه كاشف ضرّه

وهو يدعو إلى الرضا بكل ما يأتى به القضاء من حلو ومر، فتلك إرادة الله ولا راد لأمره، وينصح بالثبات حتى تنكشف ظلمة الغمة وتسفر عن بشرى مضيئة ضوء الصباح وأن يلجأ الإنسان إلى ربه ويضرع إليه، فهو وحده كاشف الغم ومفرّج المحن.

ونلتقى بتبتلات وأدعية كثيرة عند الشيوخ، من ذلك قول قاضى القضاة ابن التنسى المالكى المتوفى سنة ٨٥٢ للهجرة (٢):

إله الخلق قد عظمت ذنوبى ... فسامح ما لعفوك من مشارك

أغث يا سيدى عبدا فقيرا ... أناخ ببابك العالى ودارك

فهو يتضرع لربه أن يعفو عن ذنوبه، ويستغيث به، فهو عبد فقير من عباده، ألقى عصاه ببابه، آملا فى قبول تضرعه، ويورّى تورية واضحة فى قوله: «دارك» فمعناه القريب الدار الحقيقية بدلالة كلمة الباب قبلها، والمعنى البعيد المقصود أن يدركه قبل أن ييأس من عفوه ورحمته.

ويلقانا زهد كثير فى الحقبة العثمانية من مثل قول محمد بن أحمد الحتادى فى الدعوة إلى القناعة


(١) السبكى ٩/ ٩٣
(٢) النجوم الزاهرة ١٥/ ٥٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>