للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قنطرة ضعيفة فوق ماء، فانخسفت به ولم يقدر أحد على إنقاذه ومات، وخرج الناس زمرا يتفرجون عليه، وأنشأ فيه بعض الزجالة مرثية بديعة، وفيها يقول على لسان زوجته باكية له نادية:

سهم الفراق قد صاب قلبى ... يا مسلمين

ونا غريبه هنديّه ... قلبى حزين

وعيّطت حتى أبكت ... جيرانها (١)

من كتر ما ناحت ناحوا ... لأحزانها

من نارها صارت تلطم ... بودانها (٢)

حتى الزرافة جاءتها ... متحسّره

تبكى على الفيل اللى مات ... فى القنطرة

وكانت لدى هذا الزجال روح فكهة ولفتات ذهنية بديعة، إذ جعل زوجة الفيل هندية كما جعلها تلطم «بودانها» أو آذانها، واختار الزرافة لتساعدها فى حزنها لما يبدو عليها دائما من تأمل وحزن كأنما ضاع منها شئ. ويبدو أن الزجل ازدهر حينئذ بمصر. وفى دار الكتب مجلد نفيس لأحمال زجل مصرية مطبوع بباريس.

وتظل الأزجال حية فى الحقبة العثمانية ومثلها المواليا، وهى الفن الشعبى العامى الثانى الذى استكثر منه المصريون ومعروف أنه يخرج من بحر البسيط، ونجده فى ديوان ابن الفارض الصوفى، واشتهر به فى عصر المماليك أبو بكر بن العجمى عين كتاب الإنشاء فى مطلع القرن التاسع الهجرى وكان إمام فن المواليا (٣) لزمنه وضروبه المتشعبة، ومن موالياته:

للحبّ قالوا معنّاك الذى اذبلتو ... جدلو بقبله فقلبو فيك خبّلتو

فقال أقسم لو انّ البوس سبّلتو ... ومات، للشّرق مادرتو وقبّلتو (٤)


(١) عيطت: بكت.
(٢) ودانها بالعامية: آذانها.
(٣) خزانة الأدب ص ٤٣.
(٤) درتو: كلمة عامية أى أدرته. وفى قبلتو تورية لأنها قد تكون من القبلة بضم القاف وهو المعنى المتبادر لسبقها بكلمة البوس، وقد تكون من القبلة بكسر القاف أى ما أداره نحو القبلة بعد موته وهو المعنى المراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>