للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو التوت الأحمر، وما يزال صاحبها يسقيهم، وهم بها مشغوفون، حتى انبثقت أضواء الصباح، فنهضوا بركابهم وخيلهم، تستخفهم النشوة استخفافا خرجوا به عن أطوارهم وما تعودوه فى صحوهم من قصد واعتدال.

وأنت تراه قد وصف الخمر ودنّها ولونها وخمّارها وحانوتها وتعرّض لصياح الديكة فى السحر ومساومة صاحبها فى ثمنها وأثرها فى النفس وما تصيب به شاربها من انتشاء يتمشى فى المفاصل. وهذه المعانى جميعها تدور فيها وفى أفلاكها خمريات العباسيين. واستمع إليه يقول:

وأدكن عاتق جحل سبحل ... صبحت براحه شربا كراما (١)

من اللاتى حملن على الرّوايا ... كريح المسك تستلّ الزّكاما (٢)

مشعشعة كأنّ على قراها ... إذا ما صرّحت قطعا سهاما (٣)

تخيّرها أخو عانات شهرا ... ورجّى أولها عاما فعاما (٤)

يؤمّل أن تكون له ثراء ... فأغلق دونها وغلا سواما (٥)

فأعطينا الوفاء بها وكنّا ... نهين لمثلها فينا السّواما (٦)

كأنّ شعاع قرن الشمس فيها ... إذا ما فتّ عن فيها الختاما (٧)

وواضح أنه يتحدث عن دن من دنان الخمر أسود عتيق، صبح به رفاقه، ويقول إنه من نادر الدنان التى تجتلب من البلاد البعيدة والتى تنفذ رائحة خمرها بطيبها إلى الأنف، فتستلّ منه الزكام. ويصف هذه الخمر فيقول إنها مروّقة صافية كأنها بياض الحرّ أو سرابه اللامع، وقد انتقاها صاحبها فى «عانات» وظل


(١) أدكن: هو الدن لأنه يطلى بالقطران. عاتق: قديم. الجحل: السقاء الكبير أو القربة الكبيرة. سبحل: ضخم. الشرب: جماعة الشاربين. صبحت: ناولت، وهو خمر الصباح.
(٢) الروايا: جمع راوية وهو البعير.
(٣) مشعشعة: مروقة. قراها: ظهرها. صرحت: صفت. السهام: وهج الصيف وما يكون معه من البياض.
(٤) عانات: بلد بالشام. أولها: ما تؤول إليه من ثمن غال.
(٥) السوام: بكسر السين المساومة فى البيع والمغالاة.
(٦) السوام: بفتح السين الإبل الراعية.
(٧) قرن الشمس: أول ما يبدو منها فى الصباح. الختام: السداد.

<<  <  ج: ص:  >  >>