للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آرائه يهيم، وكم أبرأ مورده العذب هيم (١)، ولا ينكر الخليل إذا قيل عنه أبراهيم».

والسجعات فى هذا العهد تتوالى فى مجاميع على حرف واحد أو روىّ واحد، قد يكون الفاء أو الحاء أو الميم كما فى هذه القطعة، وقد يكون حرفا آخر كالدال أو التاء أو النون إلى غير ذلك من حروف تتعاقب فيها السجعات فى خفة. وقد ورّى فى السجعات الفائية حين ذكر فيها لفظ «أشرف» موريا به عن الأشرف خليل، ولم يكتف بهذه التورية فى اسمه فقد أضاف إليها تورية أخرى فى لفظ أبراهيم بآخر القطعة، وقدم لذلك بذكر الخليل كأنه يريد إبراهيم عليه السلام، وهو لا يريده إنما يريد بالكلمة أنه أبرأهيما أى عطاشا أشد العطش. ومن ذلك قوله فى رسالة إلى صاحب اليمن مبشرا بفتوح قلاوون لبعض حصون الصليبيين بالشام.

«تعطيه الملوك الجزية عن يد وهم صاغرون، ويصطفى كرام أموالهم وهم صابرون لا مصابرون، وكم شكت منه حماة تنبئ بشكوها عن قلة الإنصاف، وكم خافته معرّة وما من معرّة خاف، ومازالت أيدى الممالك تمتد إلى الله بالدعاء عليه تشكو من جور جواره تلك الحصون والصّياصى (٢)، وتبكى بمدمع نهرها من تأثير آثاره مع عصيانها وناهيك بمدمع العاصى».

وواضح فى أول هذه القطعة اقتباس محيى الدين بن عبد الظاهر لآية سورة التوبة: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). ويكثر الاقتباس لآى الذكر الحكيم وألفاظه فى كتاباته كما يكثر حلّ الشعر والاستشهاد بنصوصه وأبياته. وقد ورّى فى القطعة بذكره لفظ معرة الثانية من العار مقدما لها بذكر حماة والمعرّة وهما من مدن الشام. وورّى أيضا فى قوله: «وناهيك بمدمع العاصى» وهو إنما يريد نهر حماة المعروف باسم العاصى. ودائما نحس عنده العذوبة والسلاسة وكأنه يستمد من نبع فياض لا يغيض أبدا، على نحو ما نرى فى قوله من رسالة يصف بها فتح قلاوون لطرابلس:

«صرف مولانا السلطان إلى طرابلس العنان، وسبق جيشه إليها كل خبر وليس الخبر كالعيان، وجاءها بنفسه النفيسة والسعادة قد حرسته عيونها والمخاوف كلها أمان. . وفى خدمته جنود لا تستبعد مفازة. وكم راحت وغدت وفى نفسها للأعداء حزازة، فامتطوا بخيولهم من جبال لبنان تيجانا لها صاغتها الثلوج، ومعارج لا مرافق بها غير الرّياح الهوج، وانحطت الجنود من تلك الجنادل انحطاط الأجادل (٣)، واندفعوا فى تلك الأوعار اندفاع الأوعال (٤)، ولم يحفل أحد


(١) هيم: جمع أهيم وهو العطشان عطشا شديدا.
(٢) الصياصى: الحصون.
(٣) الأجادل: الصقور.
(٤) الأوعال: جمع وعل وهو تيس الجبل

<<  <  ج: ص:  >  >>