للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونمضى فى زمن المماليك فنجد الأدباء من كتاب وشعراء يتبادلون رسائل شخصية كثيرة، من ذلك رسالة بعث بها محيى الدين بن عبد الظاهر سنة ٦٥٣ إلى الشاعر ابن النقيب الذى مرت ترجمته، وقد بلغه أن شخصا عابه فى مجلسه وأزرى به وبقدرته الكتابية، وكان لا يزال شابا فى نحو الثلاثين من عمره، ويبدو أنه عرف أن ابن النقيب ردّ على عائبه، فكتب إليه يهجو هذا العائب ويشكره على جميل رده عليه، وهى رسالة طويلة (١)، جعل عنوانها «التواضع» وقد مضى فيها يصور حملة هذا العائب عليه ثم أخذ يعنّفه تعنيفا شديدا، وأنهاها بالدعاء لابن النقيب والدعاء على عائبه بالويل والثبور، ونلم بأطراف منها، يقول:

«إن فلانا غضّ منى. . وزعم أن إناء إبائى غير مفعم (٢)، وبناء مجدى غير محكم، وأن جوارح إجادتى جريحة، وقرائح ارتجالى قريحة (٣)، وأن صدور المجالس تنكر إقدام أقدامى، وبطون الطروس لا تلقح بأقلامى، وأنى لا أعدّ فى جملة الكتّاب، وإذا دخلوا من أبواب متفرقة للتكريم لا أدخل معهم فى باب، والذى أقوله له مخاطبا، وأومى (٤) به إليه مجاوبا: ما كل الأفاعى تعبث بها الأنامل، ولاكل المراعى تنصب بها الحبائل، ولاكل زخّار (٥) يخاض، ولاكل جناح يهاض، ولاكل جامح يراض، ولاكل سابغة تفاض (٦). . ولا يضرّ الزناد الوارى (٧) قدح القادح، كما أنه لا يضير النجم السارى نبح النابح».

والرسالة على هذه الشاكلة من السجع الموقّع الملحن تلحينا حسنا، مع توشيته بزخارف الاستعارات ومحاسن الجناسات، وقد ورّى فى كلمة «قدح القادح» مع ذكر الزند الوارى فلم يرد بها قدح القادح للزند طلبا لإخراج النار منه، وإنما أراد ذم الهاجى، من قولهم: قدح فى عرض أخيه إذا عابه وثلبه.

وتكثر فى الرسائل الشخصية حينئذ تقريظات الأدباء والشعراء، ولعل شاعرا لم يكثر تقريظ شعره ومصنفاته كما قرّظ ابن نباتة. ومرّ فى ترجمته أن له كتابا سماه «سجع المطّوق» ترجم فيه لكل من قرظوا كتابه «مجمع الفوائد». ولتلميذه برهان الدين القيراطى الذى مرّت ترجمته بين الشعراء تقريظ طريف لشعره ونثره، ومن قوله فيه (٨):


(١) انظرها فى نهاية «تمام المتون فى شرح رسالة ابن زيدون» للصفدى
(٢) مفعم: ملئ
(٣) قريحه: جريحة.
(٤) أومى: أشير.
(٥) زخار: النهر الزخار: الملئ الطامى.
(٦) تفاض: تكون سابغة ضافية
(٧) الوارى: المتقد.
(٨) خزانة الأدب للحموى ص ٥٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>