للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإفادة، يستوهب بذلك الطعام، ويستجلب الحطام (١)، ويجلب الحرام، ويسمى بالشيخ الإمام، قد صلح لأن يفصل بين العلوم، ويميز بين المحمود منها والمذموم».

والمقامة كسابقتها ليس فيها أديب شحاذ يروى حيله وما يحسن من الأساليب الأدبية، فقد تحولت من بعض الوجوه إلى ما يشبه الرسائل إذ تتناول موضوعا يحلّ صاحبها فيه محل أبى الفتح الإسكندرى عند بديع الزمان وأبى زيد السّروجى عند الحريرى.

ويعرض الأدفوى فى الطالع السعيد طائفة من هذه المقامات أو الرسائل على ألسنة كتابها من أدباء الصعيد، من ذلك مقامة (٢) أو رسالة لمحمد بن يوسف بن نحرير المتوفى بعد سنة ٦٦٥ يمدح فيها أميرا ويصف خروجه إلى الصيد، من ذلك قوله فيها:

«خرج يوما ما مع أناس، وصل برّهم بإيناس، كل منهم يهتزّ للأكرومة، ويأوى إلى أشرف (٣) أرومة، على خيل مسوّمة (٤)، مثقفة مقوّمة، ما بين جون أدهم (٥)، أذكى من فارسه وأفهم، إذا زاغ عن سنان، أو انعطف لعنان، وأشهب كريم، له سالفة ريم (٦)، كأنما خلق من عقيق أو تردّى برداء شقيق، إن أوردته الطّراد، أوردك المراد، وهملاج (٧) إن زجرته ألهب أديمه (٨)، روضة بهار (٩)، ينظر فى ليل كالنهار، ينساب انسياب الأيم (١٠)، ويمر مرور الغيم، لا ينبه النائم إذا عبر به، ولا يحرك الهواء فى سربه، أخف وطأ من طيف، وأوطأ من مهاد الصيف. . ولم يزل بنا المسير، وكل منا فى طاعة صاحبه أسير، إلى أن قصدنا واديا، كان لعيوننا باديا، فما قطعنا منه عرضا، حتى أتينا أرضا، كأنما فرش قرارها زبرجد، وصيغت ألوانها من لجبن وعسجد. . تهدى للناشق، أنفاس المعشوق للعاشق».

والمقامة على هذا النحو قطع من الوصف المسجوع البارع للخيل ولكلاب الصيد.


(١) الحطام: متاع الحياة
(٢) الطالع السعيد للادفوى (طبع مطبعة الجمالية) ص ٣٦٧
(٣) الأرومة: الأصل، الأكرومة: إكرام
(٤) مسوّمة: معلمة لأصالتها
(٥) جون أدهم: أسود
(٦) ريم: ظبى أبيض. والفرس الأشهب: يخالط بياضه سواد أو حمرة
(٧) الهملاج: الفرس فى سيره بخترة.
(٨) أديمه: جلده.
(٩) بهار: زهر أبيض.
(١٠) الأيم: الحبة الذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>