للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدباء والفلاسفة عنه. ويختمه بذكر من مات بسبب عشقه. والكتاب كسابقه طريف فى بابه.

وربما كان أهم من الكتابين السابقين لابن أبى حجلة مقاماته، وكانت مشتهرة فى زمنه، ويقول ابن حجر: «أنشأ مقامات أجاد فيها». ويعرض القلقشندى لإحدى مقاماته وهى المقامة الزعفرانية الخاصة بفيضان النيل ووفائه، ويقتبس منها نحو خمس صفحات كبيرة مقدما لها بقوله عنه، «الأديب الذى كان حجة العرب، والناثر الذى كان بنسبته إلى الطيور (١) محرّك المناطق وإلى الشعر صنّاجة الأدب» ويستمر فى الثناء عليه حتى يقول: من مقامته الزعفرانية عن أبى الرّياش، وكأن ابن أبى حجلة سمّى راويها أبا الرياش، ومن قوله فيها:

«إن النيل تزايد دفعه فقد امتزج بالمعصرات ثجّاجه (٢)، وأعيى طبيب الغيطان (٣) علاجه:

وشرق حتى ليس للشّرق مشرق ... وغرب حتى ليس للغرب مغرب

قلت: فما فعل النّغير (٤)، بجزيرة الطّير؟ قال: لم يبق بها هاتف يبشّر بالصباح، ولا ساع يسعى برجل (ولا طائر يطير) بجناح، إلا اتخذ (نفقا فى الأرض أو سلّما فى السماء) أو آوى (إلى جبل يعصمه من الماء) فأذاق بها الحمام الحمام (٥) فى المروج، وترك أرضها كسماء مالها من فروج، وتلا على الحمام: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج) وكم فى سماء مائها من نسر واقع، وبومة تصفّر على ديارها البلاقع (٦):

ومنهل فيه الغراب ميت ... سقيت منه القوم واستقيت

قلت: فمصر؟ قال: زحف عليها بعسكره الجرار، ونفط مائه الطيّار، قلت فالجيزة؟ قال، طغى الماء حتى علا على قناطرها وتجسّر، ووقع بها القصب من قامته حين علا عليه الماء وتكسّر، فأصبح بعد اخضرار بزّته (٧) شاحب الإهاب، ناصل الخضاب، غارقا فى قعر بحر (يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب) وقطع طريق زاويتها على من بها من المنقطعين والفقراء، وترك الطّالح كالالح يمشى على الماء (فتنادوا مصبحين): (أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين)


(١) يشير إلى كنية جده أبى حجلة كما يشير بتحريك المناطق إلى كتاب له سماه منطق الطير.
(٢) المعصرات: السحاب الممطر تعتصره الريح. تجاجه: سيله أو سيوله المتدافعة. يبالغ فى عتوه حتى صافح السحب.
(٣) الغيطان: الحقول
(٤) النغير: طائر صغير كالعصفور
(٥) الحمام: الموت. والجناس بينه وبين الحمام واضح
(٦) البلاقع: الخالية
(٧) بزّته: شارته وثوبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>