للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدركهم الغرق فأيسوا (١) من الخلاص (فغشيهم من اليمّ ما غشيهم) (ولات حين مناص (٢)) و (خرّ عليهم السّقف من فوقهم) فهدّت قواهم، واستغاثوا من كثرة الماء بالذين آمنوا وعملوا الصالحات (وقليل ما هم) قلت: فالروضة؟ قال: أحاط بها إحاطة الكمام (٣) بزهره، والكأس بحباب (٤) خمره:

فكأنها فيه بساط أخضر ... وكأنه فيها طراز مذهب (٥)

فلم يكن لها بدفع أصابعه يدان، وكم أنشد مرجها حين (مرج (٦) البحرين يلتقيان):

أعينىّ كفّا عن فؤادى فإنه ... من البغى سعى اثنين فى قتل واحد (٧)

قلت: فدار (٨) النّحاس؟ قال: أنحس حالها، وأفسد ما عليها ومالها، فدخل من حمّامها الطّهر، وقطع الطريق بالجامع الظّهر، فألحق مجاز بابه بالحقيقة، ورقى منه على درجتين فى دقيقة. . قلت فجزيرة أروى؟ قال: قد أفسد جلّ ثمارها، وأتى على مغانيها (٩) فلم يدع شيئا من رديّها وخيارها، أخلق ديباجة روضها الأنف (١٠)، وترك قلقاسها فى الجروف (١١) على شفا جرف (١٢):

بعينى رأيت الماء يوما وقد جرى ... على رأسه من شاهق فتكسّرا

طالما تضرّع بأصابعه إلى ربّه، ولطم برءوسه الحيطان مما جرى من الماء على قلبه، وتمثّل بقول الأول:

وإن سألوك عن قلبى وما قاسى ... فقل قاسى وقل قاسى وقل قاسى

لم يفده تحصّنه من ورقه بالدّرق (١٣) والستائر، ولا حنّ عليه حين تضرّع بأصابعه فصحّ أن


(١) أيسوا: يئسوا
(٢) مناص: ملجأ ومفرّ
(٣) الكمام: جمع كم بكسر الكاف: غلاف الزهرة قبل أن تتفتح
(٤) الحباب: الفقاقيع على وجه الكأس
(٥) جعل لون النيل مذهبا إشارة إلى ما كان يصحبه فى فيضانه من الطمى
(٦) مرج البحرين: أرسلهما فى مجرييهما متجاوزين
(٧) يشير إلى أن البحرين يأخذان بخناق جزيرة الروضة حتى تكاد تلفظ أنفاسها
(٨) تسمى الآن دير النحاس وهى أمام النيل بمصر القديمة
(٩) مغانيها: منازلها.
(١٠) الأنف: الجديد
(١١) الجروف: شقوق المحراث ومجاريه
(١٢) شفا جرف: شفا: حرف: جرف: المكان يجرفه الماء
(١٣) الدرق: جمع درقة: الترس

<<  <  ج: ص:  >  >>