للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيه القيروان الذى حمل عنه مدونته (١) وأذاعها بموطنه، فنسبت إليه، وهى من عمل ابن القاسم وإملاءاته (٢) على طلابه. وقد تتلمذ عليه من فقهاء قرطبة كثيرون ويدور اسم ابن القاسم تاليا لاسم مالك فى كتب الفقه المالكى الأندلسى، ونمثل لذلك بكتاب الوثائق والسجلات لابن العطار، فقد ذكر مالكا فى فتاويه وأحكامه نحو تسعين مرة وذكر ابن القاسم ٥٤ مرة. ويذكر أيضا فى تلك الكتب اسم كبار الفقهاء المالكيين بمصر ممن تتلمذ لهم الأندلسيون مثل أشهب بن عبد العزيز رئيس المدرسة المالكية بعد ابن القاسم إلى أن توفى سنة ٢٠٤ وأصبغ بن الفرج رئيس تلك المدرسة بعد أشهب إلى أن توفى سنة ٢٢٥. ويذكر أيضا فيها الإمام الليث المذكور آنفا الذى قال فيه الشافعى: «الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به» يقصد تلاميذه المصريين. ونرى يحيى الليثى عميد الفقهاء المالكيين فى الأندلس المذكور آنفا والذى كان لا يفتى إلا برأى مالك يترك رأيه فى القنوت فى الصبح لرأى الليث، كما يترك رأيه فى الأخذ باليمين مع الشاهد لرأى الليث فى إيجاب شاهدين والمسألة الأخيرة من المسائل الثلاث (٣) التى خالفت فيها مالكية الأندلس جميعا الإمام مالكا مؤثرة رأى الليث، والمسألة الثانية مسألة الخلطة وهى الشركة غير المميزة كأن يكون لرجل فى غنم مائة وعشر ولآخر فى نفس الغنم مائة وعشر فهل تؤخذ الصدقة على مجموعهما فيكون عليهما ثلاث شياه أو تؤخذ من كل منهما على حدة فيكون على كل واحد منهما شاة واحدة، والفقهاء يختلفون هل تؤخذ الصدقة على الجمع أو على التفريق. والمسألة الثالثة التى خالفت فيها مالكية الأندلس جميعا مالكا إلى رأى الليث هى مسألة كراء الأرض للفلاح بجزء مما يخرج منها بالنصف أو الثلث مثلا وهو نظام معروف فى مصر إلى اليوم، وكأن المصريين أخذوا بفتوى الليث على مر الأزمنة كما أخذ بها الأندلسيون. ومرّ بنا أنهم أخذوا بمذهب الأوزاعى فى غرس الشجر فى المساجد مخالفين فى ذلك رأى مالك. وخلف يحيى الليثى فى رياسة المدرسة المالكية بالأندلس عبد (٤) الملك بن حبيب المتوفى سنة ٢٣٨ للهجرة، وله كتاب


(١) ابن خلكان ٣/ ١٨١ إذ يقول أصل المدونة أسئلة سأل عنها فقيه القيروان أسد بن الفرات ابن القاسم فأجابه عنها، وجاء بها إلى موطنه فكتبها عنه سحنون ورحل بها إلى ابن القاسم سنة ١٨٨ فعرضها عليه وأصلح فيها مسائل ورجع بها إلى القيروان سنة ١٩١.
(٢) انظر المقتبس ص ٨٤.
(٣) راجع فى هذه المسائل التى خالف فيها مالكية الأندلس مذهب مالك النباهى ص ٥١.
(٤) انظر فى عبد الملك بن حبيب ابن الفرضى رقم ٨١٤ والزبيدى فى طبقات النحويين واللغويين ص ٢٨٢ والحميدى رقم ٦٢٨ والمغرب ٢/ ٩٦ والمطمح لابن خاقان ص ٣٦ وابن فرحون فى الديباج ٢/ ٨ وتذكرة الحفاظ ٢/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>