للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدارس ويكتبون بها الوثائق وما إليها، وكانوا فى شئونهم اليومية وأحاديثهم فيما بينهم يستخدمون لهجة من اللاتينية الدارجة أو الرومانثية، ويقول: إن هذا الازدواج فى اللغة كان الأصل فى نشوء طراز شعرى مختلط تمتزج فيه مؤثرات غربية وشرقية. واتخذ هذا الطراز الجديد من الأدب الشعبى صورتين هما الزجل والموشحة وهما فن شعرى واحد، غير أن الزجل سوقى دارج والموشحة عربية فصيحة. وفى رأينا أن ريبيرا بالغ فى كل ذلك مبالغة أدته إلى نظريته المخطئة.

وقد يشهد لها أن يروى الخشنى عن بعض القضاة بقرطبة أنه كان يعرف اللاتينية الدارجة أو كما كانوا يسمونها العجمية، إذ ذكر عنه أن شخصا صاح عليه بالعجمية وهو منصرف من مجلس قضاء ليقف له، فقال لمن معه قولوا له بالعجمية إن القاضى قد أدركته الملالة والسآمة (١). وواضح أنه فهم مراده من صياحه بالعجمية، مما يدل على أنه كان يعرفها. وأوضح من ذلك فى الدلالة على معرفة بعض القضاة للاتينية الدارجة ما ذكره الخشنى من أن رجلا من شهود أحد القضاة يسمى ابن عمار كانت له بغلة هزيلة تلوك لجامها طوال النهار على باب المسجد، فتقدمت امرأة إلى هذا القاضى فى مجلسه بالمسجد، فقالت له بالعجمية: يا قاضى انظر لشقيّتك هذه (تقصد نفسها) فقال لها بالعجمية: - كما يقول الخشنى-لست أنت شقيتى إنما شقيتى بغلة ابن عمار التى تلوك لجامها على باب المسجد طوال النهار (٢). وكان بين القائمين على الشهادة عند القضاة بقرطبة شيخ أعجمى اللسان مقبول الشهادة عندهم (٣). وهذه الأخبار جميعا عند الخشنى لا تدل دلالة قاطعة على أنه كانت بقرطبة فضلا عن الأندلس لهجة لاتينية دارجة يستخدمها العرب فى لغة التخاطب لأنها أخبار فردية، وممكن أن يكون القاضيان السالفان رزقا لأمّين أعجميتين، فتلفّظ كل منهما الأعجمية عن أمه، أما اتخاذ القضاة لشاهد أعجمى اللسان فيدل على أنهم كانوا فى حاجة إليه وأنهم كانوا لا يعرفون اللاتينية الدارجة التى يلوكها بعض الأعاجم، فاحتاجوا إلى مترجم يترجم ما يقولون سواء أكانوا من أصحاب الدعاوى أو المتهمين، حتى يحكم القضاة فى قضاياهم عن حسن فقه بها ودقة فهم لها. وهو بذلك خبر ينقض ما يقال من أن لغة التخاطب فى قرطبة كانت لهجة لاتينية دارجة، إذ لم تكن كثرة القضاة بها تعرفها. ومما يدلل به أيضا أنصار نظرية ريبيرا أن بعض الألقاب


(١) قضاة قرطبة للخشنى (طبعة مصر) ص ٩٦.
(٢) الخشنى ص ١١٨.
(٣) الخشنى ص ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>