للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم ولا آباؤهم الأدارسة فى المغرب دعاة نحلة أو عقيدة شيعية، لذلك ذهب هذان الصوتان أدراج الرياح.

وإذا مضينا فى عصر أمراء الطوائف وجدنا عواصم هؤلاء الأمراء تتحول إلى ساحات كبرى للمديح، فليس هناك أمير ولا وزير إلا وتدبّج فيه المدائح، إذ تكاثر الحبّ فى تلك الساحات وتكاثر الشعراء الذين يلتقطونه من داخل الإمارة ومن الوافدين على أمرائها، وقد استحالت قصورهم إلى ندوات واحتفالات لإنشاد الشعراء مع ما يتخلل ذلك من مجالس الأنس والطرب والغناء، مما أحدث فى الأندلس نهضة شعرية بأدق ما تؤديه كلمة نهضة من معان، وقد كتب ابن بسام فيها كتابه الذخيرة بمجلداته الثمانية الضخام متحدثا عن الشعراء البارعين بكل حاضرة فى هذا العصر وقد بلغوا أكثر من مائة شاعر فذ، ولكل منهم مدائح بديعة، من ذلك مدحة أبى زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبونى لإدريس بن يحيى الحمودى أمير مالقة جعل مقدمتها طبيعة وغزلا وخمرا وسنعرض لذلك فى ترجمته بين شعراء الطبيعة والخمر، وخرج إلى المديح، منشدا (١):

وكأنّ الشمس لما أشرقت ... فانثنت عنها عيون الناظرين

وجه إدريس بن يحيى بن ... علىّ بن حمّود أمير المؤمنين

كتب الجود على أبوابه ... ادخلوها بسلام آمنين

انظرونا نقتبس من نوركم ... إنّه من نور ربّ العالمين

وكان ابن مقانا بدأ إنشاد إدريس هذه القصيدة وهو محتجب على عادته، فلما سمع البيتين الأخيرين أمر برفع الحجاب حتى نظر إليه، وأضفى سابغ نواله عليه. وتغنى ابن زيدون مرارا بأمراء قرطبة بنى جهور، ولما ظنوا أنه مشترك فى مؤامرة ضدهم وزجّوا به فى غياهب السجن أخذ يعتذر إليهم بمثل قوله (٢):

بنى جهور أحرقتم بجفائكم ... جنانى فما بال المدائح تعبق

تظنوننى كالعنبر الورد إنما ... تطيب لكم أنفاسه وهو يحرق

وردّت إليه حريته، فالتحق بالمعتضد بن عباد أمير إشبيلية، فاتخذه وزيرا له وأجزل له فى الراتب والعطاء، وفيه يقول ابن زيدون فى إحدى مدائحه (٣):


(١) انظر القصيدة فى ترجمة ابن مقانا بالذخيرة ٢/ ٤٨٦.
(٢) ديوان ابن زيدون ومعه رسائله (تحقيق محمد سيد كيلانى) ص ٦٠ والمغرب ١/ ٦٩.
(٣) الديوان ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>