للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد المجيد بن عبدون مواطنه وقصر مدائحه عليه، وسنخصه بترجمة فى الفصل التالى، وفيه يقول (١):

طبّقت آفاق الكلام فلم أدع ... زهرا يرفّ ولا جمانا ينظم

لله درّك هل لمجدك غاية ... إلا وأنت بها معنّى مغرم

هزّتك أرواح السماحة بانة ... ومن الرّجاحة فى حماك يلملم

وتعلّمت منك الغمامة شيمة ... تهمى وفيها للبروق تبسّم

وجعل ابن عبدون المتوكل كالبانة التى يشبه بها الشعراء محبوباتهم فى الحسن سماحة وجودا، ومثل جبل يلملم فى رجاحة العقل وحلمه ورزانته، والصورة الأخيرة بديعة إذ جعله يغدق أمواله على الشعراء والمجتدين وهو يبتسم وكأنه غمامة تهطل والبروق فيها ماتنى تلمع كبسماته التى ترتسم دائما على وجهه.

وحرى بنا أن نقف قليلا عند موقعة الزلاقة فى أواسط سنة ٤٧٩ وكانت الأندلس أصبحت أندلسات كثيرة، كما مر بنا فى الفصل الأول، إذ توزعت إلى عديد من الإمارات والعواصم لأمراء عاشوا للترف واللهو، وإن سدّدوا سيوفهم فإلى صدور جيرانهم فى الإمارات وإخوانهم فى الدين، بينما يدفعون الإتاوات للمسيحيين فى الشمال، وسقطت طليطلة فى حجر ألفونس السادس سنة ٤٧٨. ويتأهب للاستيلاء على عواصم هؤلاء الأمراء المترفين المفكّكين المتطاحنين، مما جعلهم يجمعون وفى مقدمتهم المعتمد بن عباد أمير إشبيلية-وأجمع الشعب معهم وفى مقدمته الفقهاء-على استصراخ أمير المسلمين فى المغرب يوسف بن تاشفين ليدفع عنهم الكوارث الخطيرة الموشكة الوقوع، فعبر الزقاق، وانضمت إليه الجموع الأندلسية فى غرناطة وإشبيلية يتقدمها المعتمد بن عباد، والتقى يوسف بجموع ألفونس السادس فى الزلاقة بالقرب من بطليوس فى اليوم الثانى من رجب سنة ٤٧٩ وصدق-ومعه المعتمد وجموع المسلمين-فى وطيس القتال، وسحقوا أعداء الله سحقا ذريعا، وكأنما استؤصل جيشهم استئصالا، إذ لم ينج منه إلا من سارع منهم إلى الفرار مخذولا مقهورا، وفرّ على وجهه ألفونس يتسنّم الجبال الشاهقة ويسلك الطرق الوعرة حتى دخل طليطلة، وهنأ الشعراء المعتمد بهذا النصر الحاسم من مثل قول ابن القزاز محمد بن عبادة الوشاح فى تهنئة له (٢):


(١) الذخيرة ٢/ ٦٨٥.
(٢) الذخيرة ١/ ٨٠٣ والمغرب ٢/ ١٣٥ ومرت فى الحديث عن الموشحات مصادر ترجمة ابن القزاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>