للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقهاء الأندلس لزوال حكم هؤلاء الأمراء، ويصور ذلك أبو الحسن بن الجد فى مدحة لابن تاشفين متشفيا فيهم قائلا (١):

ناموا وأسرى لهم تحت الدّجى قدر ... هوى بأنجمهم خسفا وما شعروا

وكيف يشعر من فى كفّه قدح ... تحدو به مذهلات النّاى والوتر (٢)

فقل لمن نام أصبحت انتبه فلقد ... مضى لك الليل صرفا وانقضى السّحر

وانظر إلى الصبح سيفا فى يدى ملك ... فى الله من جنده التأييد والظّفر

يرعى الرعايا بطرف ساهر يقظ ... كما رعاها بطرف ساهر عمر (٣)

ويظلّ الأندلس عهد المرابطين الذين أبلوا فى قتال النصارى ما أخّر استردادهم للأندلس جميعها قرونا بفضل جيوشهم وجيوش دولة الموحدين المغربية من بعدهم.

ويموج ديوان الأعمى التطيلى بمديح على بن يوسف بن تاشفين خليفة أبيه على المغرب والأندلس: وسنفرده بكلمة، وبالمثل يموج ديوان ابن خفاجة بمديح أخويه إبراهيم وتميم، وكان إبراهيم واليا له على شرقى الأندلس حتى وفاته سنة ٥١٥ وكان تميم واليا له على غرناطة منذ سنة ٥٠٠ وولى مرسية شرقى الأندلس فترة، ولعل ذلك ما وصل ابن خفاجة به، وديوانه مفتتح بمدحة بديعة فيه استهلها بوصف الطبيعة والغزل، وفيها يقول (٤):

وأبلج منصور الّلواء إذا سرى ... أظلّت عقاب النّصر أجنحة النّسر

له فتكة لو زاحم الدهر تحتها ... لعدّت به دهم الليالى من الشّقر

وعزم يردّ الطّود هدّا ونجدة ... تهزّ قدود السّمر فى الحلل الحمر

تقسّمه جود يفيض وهمّة ... فمن منهل غمر ومن جبل وعر

والمدحة على هذا النحو تلوينات وتوليدات فى معانى الشجاعة والكرم، ففتكته تحيل الليالى شقراء بما تلطخها من الدماء وبالمثل تحيل الرماح حلل الأعداء حمرا مما تلطخها به من الدم المسفوك، وجوده يفيض كمنهل عذب، وهمته لا تبارى كجبل وعر لا يساميه جبل فى وعورته. ولابن خفاجة قصيدة بديعة فى مديح زوجة تميم مريم، وكانت سيدة أديبة


(١) راجع القصيدة فى الذخيرة ٢/ ٢٥٦ وانظر فى ترجمة ابن الجد المغرب ١/ ٣٤٠.
(٢) يشير ابن الجد إلى تهالك أمراء الطوائف على الملذات والخمر والغناء وكأنهم يعيشون فى دور ملاه لا فى دور حكم وسياسة.
(٣) يريد بعمر الفاروق عمر المشهور برعايته للدولة وعدله.
(٤) الديوان (تحقيق د. السيد مصطفى غازى) ص ٢٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>