للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصبح المسلمون فى غرناطة، يموجون بالحنق والغيظ من يوسف واليهود الذين اعتصروا طيبات الأرض وعرق الكادحين باسم الضرائب، وقد اختلت الموازين فبعد أن كان المسلمون هم الذين يجبون الضرائب من اليهود وأهل الذمة أصبح اليهود هم الذين يجبونها، وبينما كان الناس ينتظرون شعلة لتثير بركان الثورة الكامن، إذا أبو إسحق الإلبيرى الذى سنترجم له بين الزهاد يمدهم بقصيدة حماسية ملتهبة، بل بالشعلة الشعرية المضطرمة شواظا ونارا حامية، وإنه ليهتف فى مطلعها برجال صنهاجة الحاكمين (١):

ألا قل لصنهاجة أجمعين ... بدور النّدىّ وأسد العرين (٢)

لقد زلّ سيّدكم زلّة ... تقرّ بها أعين الشامتين

تخيّر كاتبه كافرا ... ولو شاء كان من المسلمين

فعزّ اليهود به وانتخوا ... وتاهوا وكانوا من الأرذلين (٣)

ونالوا مناهم وجازوا المدى ... فحان الهلاك وما يشعرون

ويتساءل ألم يكن من الواجب على باديس أن يبقيهم-كما أبقاهم حكام المسلمين قبله-باعة جوّالين يحملون أخراجهم على ظهورهم فى صغار وذل وهوان باحثين فى المزابل عن خرق من الثياب ملوّثة يتخذونها أكفانا لموتاهم. ويتجه إلى باديس مادحا مثنيا حتى يتنبه ليوسف وأعوانه وما يدبرون من الكيد له بينه وبين شعبه، وما كنزوا وبنوا من القصور الباذخة. وما يزال يستثير باديس حتى إذا ظن أنه بلغ به الغاية من الثورة على اليهود وحاميهم يوسف أفتاه-كفقيه-بسفك دمه ودماء أعوانه من اليهود، يقول:

فبادر إلى ذبحه قربة ... وضحّ به فهو كبش ثمين

ولا تحسبن قتلهم غدرة ... بل الغدر فى تركهم يعبثون

وقد نكثوا عهدنا عندهم ... فكيف تلام على الناكثين

وأخذ سكان غرناطة يتناسخون القصيدة وينشدونها فى الطرقات، وغلت نفوسهم وصمموا على الانتقام، وحانت الفرصة إذ كان يوسف قد اتفق مع المعتصم بن صمادح أن يرسل إليه جنودا إلى غرناطة أملا فى أن تخلص له بعد خلوصها من باديس. وفى مساء يوم السبت لعشر خلون من صفر سنة ٤٥٩ تسوّر كثيرون من الرعية قصره حين تبينت


(١) ديوان الإلبيرى (طبع مدريد) ص ١٥١.
(٢) الندى: مجلس القوم. العرين: غيل الأسد ومأواه.
(٣) انتخوا: تعاظموا وتكبروا.

<<  <  ج: ص:  >  >>