للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأذعنت مرّاقها سراعا ... وأقبلت حصونها تداعى

وافتتح الحصون حصنا حصنا ... وأوسع الناس جميعا أمنا

ثم انتحى من فوره إلبيره ... وهى بكل آفة مشهوره

ولم يدع من جنّها مريدا (١) ... بها ولا من إنسها عنيدا

إلا كساه الذّلّ والصّغارا ... وعمّه وأهله دمارا

وانصرف الأمير من غزاته ... وقد شفاه الله من عداته

والأبيات ليس فيها الحرارة التى ينبغى أن تموج بها إزاء هذه الغزوة التى ليس لها مثيل فى تاريخ الأندلس. وربما كان ذلك بسبب أنها صيغت فى أرجوزة من الشعر التاريخى التعليمى الذى تفتر فيه الحرارة ويصبح أشبه بالسرد منه بالشعر الغنائى المتوهج حرارة.

ولابن عبد ربه مدائح كثيرة فى الناصر تشتعل فيها الحماسة، بل فى نفس هذه الغزوة إذ ينشد ابن حيان له فيها قوله فى مدحه للناصر (٢):

فى نصف شهر تركت الأرض ساكنة ... من بعد ما كان فيها الجور قد ماجا

لما رأوا حومة الشّاهين فوقهم ... كانوا بغاثا حواليها ودرّاجا (٣)

ويقول فى وصف عدله فى رعيته:

أحيا لنا العدل بعد ميتته ... وردّ روح الحياة فى جسده

ونلتقى في عصر المرابطين بأهم ناظم للشعر التعليمى التاريخى، ونقصد أبا طالب عبد الجبار الملقب بالمتنبى، وسنفرده بكلمة عما قليل، وكان يعاصره ابن أبى الخصال الكاتب المشهور وله قصيدة فى نسب الرسول صلى الله عليه وسلم سماها «معراج المناقب». وأهم من نظموا بعده فى هذا اللون التاريخى من الشعر لسان الدين بن الخطيب الذى ستأتى ترجمته فى الفصل الخامس، فله فيه أرجوزة طويلة سماها «رقم الحلل فى نظم الدول» وهى تاريخ شعرى للدول الإسلامية، عرض فيها بإيجاز الخلفاء الراشدين فالأمويين فالعباسيين فبنى الأغلب بإفريقيا فالعبيديين (الفاطميين) فبنى أمية بالأندلس فأمراء الطوائف فالمرابطين فالموحدين فبنى نصر بغرناطة وبنى مرين بإفريقيا، وطبع جزء من هذه الأرجوزة بتونس بأخرة من القرن الماضى، ويسوق ابن الخطيب فى تضاعيفها نثرا لتوضيح الأبيات، وفى كتابه «الإحاطة» اقتباسات منها كثيرة. من ذلك عرضه لتاريخ الحكم الربضى وما كان


(١) مريدا: خبيثا شريرا.
(٢) الجزء الخامس من المقتبس ص ٦٢.
(٣) الشاهين: من جوارح الطير وسباعها. البغاث والدراج: طائران صغيران والاستعارة واضحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>