للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ثورة الفقهاء وأهل الربض عليه وسفكه لدماء كثيرين وهدمه لدورهم وقضائه السريع على الثورة مع رباطة جأشه فى حينها رباطة أذهلت من كانوا محيطين به، وكان من شدة الجبروت بحيث لم يرع لأحد فى الثورة عليه عهدا ولا ذمة، يقول لسان الدين مشيرا إلى توليه الحكم بعد وفاة أبيه هشام (١):

حتى إذا الدهر عليه احتكما ... قام بها ابنه المسمّى الحكما

واستشعر الثورة فيها وانقبض ... مستوحشا كالّليث أقعى وربض (٢)

حتى إذا فرصته لاحت نفض ... فأفحش الوقعة فى أهل الرّبض

وكان جبّارا بعيد الهمة ... لم يرع من إلّ بها أو ذمّة (٣)

وإذا تركنا التاريخ وشعره التعليمى إلى العلوم الدينية واللغوية قابلتنا كثرة من الأراجيز والقصائد العلمية، وهى أكثر من أن تحصى فى الأندلس أو تستقصى، إذ لم يكادوا يتركون علما دون أن ينظموا فيه أراجيز أو قصائد مطولة، وطائفة منها ذاعت شهرتها فى العالم العربى وكتبت عليها شروح كثيرة وأصبحت محور الدراسة فى العلم الذى نظمته مهما شرقنا أو غربنا فى البلدان العربية والإسلامية، من ذلك منظومة القاسم بين فيرّه الشاطبى الذى مر ذكره بين القرّاء فى الفصل الثانى، وقد سماها-كما مر بنا- حرز الأمانى ووجه التهانى فى القراءات، واشتهرت باسم الشاطبية نسبة إليه، وعدّتها -كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع-ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، وقد شرحت مرارا، شرحها العلم السخاوى وغيره، وظلت المرجع الأساسى للقراء منذ عصر الشاطبى إلى اليوم. وذكرنا معه من القراء أبا حيان الغرناطى وقلنا هناك إن له فى القراءات منظومة فى ألف بيت وأربعة وأربعين وقد سماها: «عقد اللآلى فى القراءات السبع العوالى»، ويقول ابن حجر إنها أخصر وأكثر فوائد من الشاطبية غير أنها لم ترزق حظها (٤) من الشهرة والذيوع. ودوّت شهرة ابن عبد البر حافظ الأندلس وإمام مذهبها المالكى لعصر أمراء الطوائف بكتاب نفيس فى الفقه والحديث ألفه على هدى كتاب الموطّأ لمالك وسّماه:

«التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد» ويقول ابن حزم-كما مر بنا- «لا أعلم فى الكلام على فقه الحديث مثله أصلا» ولعل ذلك ما جعل الشاطبى ينظم قصيدة فى


(١) الإحاطة ١/ ٤٨٢
(٢) الليث: الأسد. أقعى: جلس على إليتيه ونصب ساقيه وفخذيه. ربض: طوى قوائمه ولصق بالأرض.
(٣) إل بتشديد اللام: عهد.
(٤) الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لابن حجر ٥/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>