للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسمائة بيت تحيط علما بهذا الكتاب إحاطة دقيقة، غير أنها لم ترزق حظ أختها الشاطبية. ويلقانا غير عالم أندلسى حتى آخر أيام العروبة هناك يؤلف أراجيز ومنظومات فى العلوم الدينية المختلفة على نحو ما يلقانا عند أبى بكر بن عاصم المتوفى سنة ٨٢٩ تلميذ لسان الدين بن الخطيب وله فى القراءات (١) منظومة باسم «إيضاح المعانى فى القراءات الثمانى» ومنظومة ثانية فى علم الفرائض (الميراث) باسم: «كنز المفاوض فى علم الفرائض» ومنظومة ثالثة فى علم الأصول باسم: «مهيع الوصول إلى علم الأصول» وله فى الفقه المالكى أرجوزة فى نحو ١٦٩٠ بيتا نشرت فى باريس منذ القرن الماضى وكانت تدرس فى جامعة فاس إلى عهد قريب. وكثيرا ما كانوا ينظمون قصائد ومقطوعات لضبط بعض المسائل المتصلة بالقرآن أو بالقراءات أو بالفقه وأحكامه على نحو ما نجد فى رائية (٢) أبى الحسن بن الحصار، وهى اثنان وعشرون بيتا فى بيان المدنى والمكى من سور الذكر الحكيم، وذكر فيها أن المدنى باتفاق عشرون سورة والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة وما عدا ذلك فمكى.

وكان طبيعيا أن تشارك الأندلس المشرق فى نظمه لفنون البيان والبديع، وابن المعتز هو أول من جمع بينهما فى كتابه «البديع» إذ أحصى فيه ثمانية عشر محسّنا وضم إليها صور البيان الأساسية وهى الاستعارة والتشبيه والكناية، وأخذت الحقب التالية تضيف إلى محسناته محسّنات جديدة إلى أن بلغ بها ابن أبى الإصبع المصرى مائة واثنين وعشرين محسنا. وتأخذ فى الظهور منذ على بن عثمان الإربلى المتوفى سنة ٦٧٠ منظومات البديعيات (٣)، وهى منظومات يتضمن كل بيت فيها محسنا من محسنات البديع والبيان، حتى إذا كان صفى الدين الحلى المتوفى سنة ٧٥٠ رأيناه ينظم بديعيه من وزن البسيط فى ١٤٥ بيتا موضوعها مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل بيت فيها يتضمن محسنا من محسنات البديع، وبلغت المحسنات فيها مائة وخمسين. ونرى معاصره أبا حيان الغرناطى ينظم قصيدة فى علمى البديع والبيان، ويبدو أنه لم يتجه بها وجهة الحلى والإربلى فى أن يجعل من كل بيت إشارة إلى لون معين من ألوان البيان والبديع، ولذلك لم يعد العلماء له هذا العمل بين قصائد البديعيات. وأول أندلسى أسهم فى تلك القصائد ابن جابر الوادى آشى المترجم له بين شعراء المديح النبوى، إذ نظم بديعية من بحر البسيط


(١) انظر فى أسماء هذه المنظومات لابن عاصم النفح ٥/ ١٩.
(٢) راجع الذيل والتكملة للمراكشى: القسم الأول من السفر الثامن ص ٢١٠.
(٣) انظر كتابنا البلاغة: تطور وتاريخ ص ٣٥٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>