فى مائة وسبعة وعشرين بيتا وجعل موضوعها مديح الرسول صلى الله عليه وسلم وسماها:«الحلة السّيرا فى مدح خير الورى» واستهلّها بقوله:
بطيبة انزل ويمّم سيّد الأمم ... وانثر له المدح وانشر أطيب الكلم (١)
وسرعان ما شرحها مواطنه ومعاصره أبو جعفر الرّعينى، ويقول فى مقدمته لها إن ابن جابر اتبع فى سرد المحسنات البديعية الخطيب القزوينى فى كتابيه الإيضاح والتلخيص، ولعل ذلك ما جعله يكتفى فيها بنحو ستين محسنا.
ولعل الأندلس لم تكثر من النظم فى علوم كما أكثرت من نظم علوم النحو والتصريف واللغة، ويكفى أن نرجع إلى ترجمة ابن مالك الطائى الجيّانى المتوفى سنة ٦٧٢ بدمشق، ويعد أشهر نحاة القرون العربية المتأخرة لا فى الأندلس فحسب بل فى العالم العربى جميعه، وكان نظم الشعر التعليمى سهلا عليه سهولة مفرطة مع التعبير الناصع عن أدق الدقائق فى النحو والصرف واللغة، وتشهد بذلك كثرة أراجيزه ومنظوماته فيها المصوغة صياغة بديعة، وفى مقدمتها نظمه المفصل للزمخشرى فى النحو باسم «المؤصّل فى نظم المفصل» ومنظومته المطولة «الكافية الشافية» فى النحو، وتقرب من ثلاثة آلاف بيت، وله فى الصرف منظومة لامية فى أبنية الأفعال باسم «المفتاح أو اللاميات» وهى فى مائة وأربعة عشر بيتا من وزن البسيط، ومنظومة ثانية فى ٤٩ بيتا من وزن الكامل ضمنها الأفعال الثلاثية المعتلة بالواو أو الياء احتفظ بها السيوطى فى الجزء الثانى من كتابه المزهر. وله فى اللغة منظومة واوية فى ١٦٢ بيتا سماها «تحفة المودود فى المقصور والممدود» وهى تتضمن الألفاظ التى تنتهى بألف مقصورة أو ممدودة مع اختلاف معانيها وقد طبعت فى القاهرة مع شرح موجز لها، ومنظومة ثانية فى ٦٢ بيتا من وزن البسيط سماها:«الاعتداد فى الفرق بين الزاى والصاد» ضمنها الكلمات المتماثلة التى تنتهى بهما. وأهم منظوماته جميعا الألفية فى النحو والصرف وهى أرجوزة فى ألف بيت اختصر فيها أرجوزته الكبرى الكافية الشافية، وقد رزقت من الشهرة ومن المدارسة وإكباب الشيوخ والطلاب عليها فى جميع البلاد العربية منذ تأليفها إلى اليوم ما لم ترزقه أى منظومة أخرى فى النحو والصرف واللغة، ومن أجل ذلك كثرت شروحها وحواشيها مثل شرح الأشمونى وحاشية الصبان عليه وشرح ابن عقيل وحاشية الخضرى عليه. ولحازم القرطاجنى المتوفى سنة ٦٨٤