للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أحدثت حادثة لى روعة ... ولا اعترانى جزع لما اعترى

والعيش طورا مشتهى مستمرأ ... وتارة مستوبل ومجتوى

والعيش محبوب إلى كل امرئ ... لا فرق بين الشيخ فيه والفتى

قد يدرك الحاجة من لم يسع فى ... طلابها وقد تفوت من سعى

إنّ احتياط المرء فى أفعاله ... رأى يؤدّيه إلى سبل الهدى

ويطيل فى الكلام عمن ضلوا نهج الرشد فكان فى ذلك هلاكهم ممن تحدث عنهم التاريخ الجاهلى من مثل قصة النعمان وقتله لعدى بن زيد تسرعا، وقصة زرقاء اليمامة وتكذيب قومها لها حين حذرتهم أن جيشا قادما ولم يصدقوها فكان فى ذلك حتفهم، وقصة الزبّاء فى حصنها وكانت أمنع من عقاب فى أعلى ذروة شاهقة، وكانت قد احتالت على جذيمة ملك الحيرة قاتل أبيها فقدم عليها وقتلته، وخلفه ابن أخته عمرو بن عدى، فدسّ لها أحد أتباعه، فجدع لها أنفه وشكا إليها عمرا فوثقت به ووعدها أن يفد عليها بتجارة كبيرة محملة على إبل كثيرة. وعاد مع إبل تحمل رجالا فى جواليق أو صناديق، وفتحت له الحصن وهى تظنه يحمل بعض عروض التجارة، ودخلت الإبل ولفتها أنها تمشى مثقلة كأنها تحمل حديدا. ولم تتنبه. وخرج الرجال من الجواليق واستولوا على المدينة وقتلوها.

هكذا تقول الأسطورة العربية، ومعروف أنها حاربت الرومان وظفروا بها فأخذوها أسيرة إلى روما حيث قضت بقية أيامها، وحازم إنما يروى الأسطورة العربية ليبيّن ما حدث فيها من تغرير بالزباء وقصر نظرها وعدم احتياطها حين رأت الإبل تسير وئيدة من ثقل ما تحمل، يقول:

وغرّها جدع قصير أنفه ... فأمنته وهو مرهوب الشّدا (١)

وأوقر العيس رجالا وعبا ... بؤسا لها وأبؤسا فيما عبا (٢)

وارتاب فى مشى الجمال لحظها ... ولم تحقّق عندما قالت: عسى (٣)

وما درت ما فوقها حتى غدت ... مقصدة بسهم دهى ما خبا (٤)

ويتحدث عما تروى الأساطير والتاريخ عن رجالات العرب وملوكهم الجبابرة فى الجاهلية، وينصح بالحزم فى الأمور مع العزم، ويعرض كثرة من الأحداث عمن شبوا


(١) الشدا: الحدّ، شبه قصيرا بالسيف القاطع.
(٢) أوقر العيس: حمّل الإبل. عبأ: هيأ.
(٣) قالت عسى أى أنها شكّت ولم تتحقق من شكها وريبتها ولا ظنت بعض الظنون.
(٤) دهى: دهاء ومكر. خبا هنا: أخطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>