للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نيران الحروب ومن أخطأهم الحظ مثل امرئ القيس فى ثأر أبيه حجر. ويسوق أخبارا كثيرة عن رجالات الإسلام من مثل الجحّاف وإيقاعه بتغلب فى معركة البشر ومصعب بن الزبير وقضاء عبد الملك بن مروان عليه وفقدان الخنساء لأخيها صخر ومراثيها فيه، ويتذكر حاله وغربته عن وطنه وينشد:

إنّ ثواء المرء فى أوطانه ... عزّ وما الغربة إلا كالتّوى (١)

ويذكر طائفة من الجاهليين والإسلاميين الذين فارقوا أوطانهم وحنّوا إليها حنينا ملتاعا، راجين أن يشتفوا بجرعة أو جرعات من مياهها. ويعود إلى ذكر الأحداث فيذكر جيش أبرهة حين غزا مكة قبيل الإسلام وكيف أن الله قضى على كيده فأرسل على جيشه طيرا جماعات دمرته تدميرا. ويذكر قصة هدهد سليمان وبلقيس ملكة سبأ وسدّ مأرب وانقضاضه وكيف أن الله أنقذ البشرية بإرساله نبىّ الهدى الذى أضاءت بنوره الآفاق، ويشيد بخلفائه وبفتح الأندلس، وبانتصار الموحدين فى موقعة الأرك سنة ٥٩١. ويقول إن الأندلس أصبحت بعد هذا التاريخ فريسة للثوار، وعمّ طوفان فتنة انجلى عن ضياع جواهر الأندلس الكبرى: قرطبة وإشبيلية ومرسية، وأصبحت لسان الحال تملى شجوها، وبكى كلّ ما هنالك وبكت حتى الأنهار بمدمع هام وأنّت الوديان وبثّت شكواها الثغور والمدن، وانتثرت الأندلس كحبّات عقد فى حجور نصارى الشمال، واحتووا كل ما بتلك الديار من ذخائر الدين الحنيف، ويستثير بكل ذلك حفيظة المستنصر ويهيب به أن ينجد الأندلس ويسترجعها من براثن الإسبان منشدا:

ولو سما خليفة الله لها ... لافتكّها بالسّيف منهم وافتدى

ففى ضمان سعده من فتحها ... دين على طرف العوالى يقتضى (٢)

فقد أشادت ألسن الحال به ... حىّ على استفتاحها حىّ على

أثأى العدا ما كان مرءوبا بها ... وهو الذى يرجى به رأب الثّأى (٣)

ما زال يملى الملوان نصره ... وسيفه يختطّ ما يملى الملا (٤)

ويمضى فى استصراخه لإنقاذ الأندلس بكل ما يستطيع من كلم مثير، ويهتف بهتاف


(١) ثواء: إقامة. التوى: الهلاك.
(٢) العوالى: الرماح.
(٣) أثأى العدا: أكثر من القتل فيهم والجراحات. . مرءوبا: ملتئما. رأب الثأى: إصلاح الصدع والفتق.
(٤) الملوان: الليل والنهار. الملا هنا: الخلق الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>