للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحمن الناصر غزليات فيها جمال فى التصوير ورشاقة فى التعبير كقوله (١):

يا لؤلؤا يسبى العقول أنيقا ... ورشا بتعذيب القلوب رفيقا

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درّا يعود من الحياء عقيقا

وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك فى سناه غريقا

يا من تقطّع خصره من رقّة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا

والصور متناسقة تناسقا بديعا فاللؤلؤ الأبيض تتضرج الخدود منه بحمرة الحياء فيصبح عقيقا أو ياقوتا، والبصر يغرق فى محاسن الوجه وسناها أو ضوئها المتوهج جمالا وفتنة، والخصر رقيق رقة شديدة، واللغة فيها انسياب وصفاء وسلاسة، وللحكم المستنصر (٢):

عجبت-وقد ودّعتها-كيف لم أمت ... وكيف انثنت بعد الوداع يدى معى

فيا مقلتى العبرى عليها اسكبى دما ... ويا كبدى الحرّى عليها تقطّعى

والبيتان ينمان عن شعور مرهف رقيق، ولغتهما سلسة. ومن كبار الشعراء لعهد الحكم المستنصر الرمادى وسنفرد له كلمة، ومنهم أحمد بن فرج الجيانى وقد زجّ به المستنصر فى سجن ببلدته جيّان لما رفع له من أنه هجاه، فسجنه ومات فى سجنه، ولم يشفع له تأليفه كتاب الحدائق الذى تحدثنا عنه فى غير هذا الموضع، وهو يعد بحق حامل لواء الشعر العذرى فى الأندلس، كما يتضح فى قوله (٣):

وطائعة الوصال عففت عنها ... وما الشيطان فيها بالمطاع

بدت فى الليل سافرة فباتت ... دياجى الليل سافرة القناع

وما من لحظة إلا وفيها ... إلى فتن القلوب بها دواع

فملّكت النّهى جمحات شوقى ... لأجرى فى العفاف على طباعى

وبتّ بها مبيت السّقب يظما ... فيمنعه الكعام من الرّضاع (٤)

كذاك الروض ما فيه لمثلى ... سوى نظر وشمّ من متاع


(١) النفح ٣/ ٥٦٤.
(٢) مغرب ١/ ١٨٧.
(٣) انظر فى ترجمة أحمد بن فرج الجيانى وشعره الحميدى ص ٩٧ والقلائد ص ٧٩ والبغية ص ١٤٠ والمغرب ٢/ ٥٦ والمطرب ص ٤ ومعجم الأدباء ٤/ ٢٣٦.
(٤) السقب: ولد الناقة. الكعام: ما يجعل على فمه لمنعه من الرضاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>