للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصيدة غزلية بديعة. ولم يهنأ المستعين بخلافته إلا نحو سبع سنوات، وفتك به بنو حمود واستولوا على الخلافة، وعادت إلى أحفاد عبد الرحمن الناصر بعد سبعة أعوام، وتولاها عبد الرحمن بن هشام الملقب بالمستظهر سنة ٤١٤ لمدة شهرين إذ فتك به ابن عمه المستكفى. وكان المستظهر شاعرا وشغف بابنة عم من أعمامه، وروى له ابن بسام فيها أربع مقطوعات تصور حبه لها ومدى تعلقه بها من مثل قوله (١):

غزال براه الله من نور عرشه ... لتقطيع أنفاسى وليس من الإنس (٢)

وهبت له ملكى وروحى ومهجتى ... ونفسى ولا شئ أعزّ من النّفس

وكثيرون من أبناء البيت الأموى تترجم لهم كتب الأدب وتذكر لهم غزليات وأشعارا مختلفة. ومن الشعراء المهمين الذين عاشوا بقرطبة زمن الفتنة عبادة بن ماء السماء الخزرجى الأنصارى الذى أعطى الموشحة صيغتها النهائية، ومن غزلياته قوله (٣):

إذا رمت قطف الورد ساورنى الصّدغ ... بعقرب سحر فى فؤادى له لدغ (٤)

غزال بجسمى فترة من جفونه ... وفى أدمعى من لون وجنته صبغ

زيارته أخفى خفاء من السّها ... ودون فراغى من محبته الفرغ (٥)

وهو يقول إنه إذا رام قطف الورد من خدود صاحبته ساوره أو وثب عليه ومنعه عقرب الصدغ، وإنه ليشعر بلدغاته فى فؤاده. وزعم أنها أعدت دموعه بلون خدودها الوردية كما أعدت جسمه بفتور جفونها وانكسارها البديع، ويقول إن زيارتها تتعذّر عليه حتى لتصبح كأنها نجم السّها الذى تتعذر رؤيته. ويقول ابن شهيد معاصره، وكان شاعرا بارعا وكاتبا مبدعا، وسنترجم له بين الكتّاب، ومن غزلياته قوله (٦):

ولما فشا بالدمع من سرّ وجدنا ... إلى كاشحينا ما القلوب كواتم (٧)

أمرنا بإمساك الدّموع جفوننا ... ليشجى-بما تطوى-عذول ولائم

فظلّت دموع العين حيرى كأنها ... خلال مآقينا لآل توائم

وتصويره لدموعه ودموع صاحبته وإمساكهما بها تترقرق فى جفونهما ولا تسقط باللآلئ التوائم تصوير بديع.


(١) الذخيرة ١/ ٥٧.
(٢) براه: خلقه.
(٣) الذخيرة ١/ ٤٧١.
(٤) ساوره: وثب عليه.
(٥) السها: نجم خفىّ. الفرغ هنا: الموت والهلاك.
(٦) ديوان ابن شهيد (تحقيق يعقوب زكى) طبع القاهرة ص ١٥٤.
(٧) الكاشحين جمع كاشح: العدو المبغض.

<<  <  ج: ص:  >  >>