للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتكاثر سيول الغزل فى عصر أمراء الطوائف، عصر الغناء واللهو ومجالس الأنس، ونجده متداولا شائعا على ألسنة جميع الأمراء والوزراء والشعراء والفقهاء، وكأنه تمائم يضمونها جميعا الى صدورهم وفى مقدمتهم الفقيه ابن حزم، وسنفرد له ترجمة بين الكتّاب، وكان شاعرا وله غزليات كثيرة منها قوله (١):

وددت بأن القلب شقّ بمدية ... وأدخلت فيه ثم أطبق فى صدرى

فأصبحت فيه لا تحلّين غيره ... إلى مقتضى يوم القيامة والحشر

تعيشين فيه ما حييت فإن أمت ... سكنت شغاف القلب فى ظلم القبر

وقوله متحولا بمحبوبه، أو محبوبته، إلى إدراك مجرد وراء صورته الحسية (٢):

أمن عالم الأملاك أنت أم انسىّ ... أبن لى فقد أزرى بتمييزى العىّ

أرى هيئة إنسيّة غير أنه ... إذا أعمل التفكير فالجرم علوىّ

عدمنا دليلا فى حدوثك شاهدا ... نقيس عليه غير أنك مرئىّ

ولولا وقوع العين فى الكون لم نقل ... سوى أنك العقل الرفيع الحقيقىّ

فهو لا يدرى أمحبوبه إنسى أم ملاك طاهر، ويحار، وتعظم حيرته، فالهيئة إنسية، والجسد علوى، بل لكأنه تخلص من جسديته، ولولا أن العين تبصره وتشاهده لظن أنه العقل الرفيع الذى لا يحده مكان حسى. ونلتقى بابن برد الأصغر، وسنخصه أيضا بترجمة بين الكتاب، وكان مثل ابن حزم شاعرا، وله غزل بديع مثل قوله (٣):

لما بدا فى لازور ... دىّ الحرير وقد بهر

كبّرت من فرط الجما ... ل وقلت: ما هذا بشر

فأجابنى: لا تنكرن ... ثوب السماء على القمر

والأبيات تنم عن شعور رقيق مرهف مع عذوبة الألفاظ والصياغة وجمال الخيال والتصوير. ولأبى جعفر الخولانى أحد شعراء المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية: (٤)

بدر ألمّ وبدر التّمّ ممتحق ... والأفق محلولك الأرجاء من حسد (٥)

أردت توسيده خدّى وقلّ له ... فقال: كفّك عندى أفضل الوسد


(١) طوق الحمامة (تحقيق د. الطاهر مكى) طبع دار المعارف ص ٩٢.
(٢) طوق الحمامة ص ٢٥.
(٣) المغرب ١/ ٩٠.
(٤) الذخيرة ٢/ ١٣٦.
(٥) بدر التم: البدر فى تمامه واكتماله. ممتحق. مختف نوره. محلولك: شديد السواد.

<<  <  ج: ص:  >  >>