لمن طلل دارس بالّلوى ... كحاشية البرد أو كالرّدا
رماد ونؤى ككحل العروس ... ورسم كجسم براه الهوى
غدا موسما لوفود البلى ... وراح مراحا لسرب المها
عجبت لطيف خيال سرى ... من السّدر أنّى إلىّ اهتدى
وكيف تجاوز جوز الحجاز ... وجوز البحار وسدر المنى
ولم يثنه حرّ نار الضلوع ... وبحر الدموع وريح النّوى
فذكّر أيامنا بالعقيق ... وليلتنا بهضاب الحمى
وقد ضمن الحديث عن الأطلال وطيف الخيال صورا وخواطر جديدة، فالطلل الدارس باللوى أو منقطع الرمل يشبه فى عين المحب الواله الرداء المعلم أو حاشيته المنمنمة، والرماد كأنه كحل العروس سوادا والتماعا. وقد أصاب الرسم أو الطلل- لفراق أحبائه-ضنا المحبين، ولم يكتف بأن جعله مسرحا لبقر الوحش مثل امرئ القيس فى مطلع معلقته فقد جعله أيضا موسما لوفود البلى، وأيضا لم يكتف فى ذكر المواضع بموضع شجر السدر فى حمى صاحبته، فقد أضاف اليه مواضع أخرى من الجزيرة: جوز (وسط) الحجاز والعقيق أحد وديانه. وكل ذلك ليجلب إلى قصيدته جوّ بوادى الحجاز وحبّها العذرى الملتاع، وصوّره مضطرما فى حنايا ضلوعه. وعجب أن يصل إليه طيف الخيال ولا تثنيه النار الصاعدة من صدره ولا بحار الدموع المنهمرة من عينيه، ولا ريح النّوى العاصفة، وبذلك مزج الغزل الأندلسى بروح الغزل العذرى الظامئ المتلهف أبدا.
ويقول محمد بن البين وزير يحيى الوالى على يابرة لأبيه المظفر أمير بطليوس (٤٣٠ - ٤٦٠ هـ) فى إحدى قصائده (١):
غصبوا الصّباح فقسّموه خدودا ... واستوهبوا قضب الأراك قدودا
ورأوا حصى الياقوت دون محلّهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا
واستودعوا حدق المها أجفانهم ... فسبوا بهنّ ضراغما وأسودا
لم يكف أن سلبوا الأسنّة والظّبا ... حتى استعانوا أعينا ونهودا
وتضافروا بضفائر أبدوا لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا
وهى قطعة من الغزل الفريد بروعة تصاويره، وهى مثل سابقتها من أطرف ما يصور تواصل الشعر الأندلسى مع أصوله الشعرية العربية، فكل ما فى القطعة من صور طالما
(١) الذخيرة ٢/ ٨٠٢ والمغرب ١/ ٣٧٠.