للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرره العرب فى غزلياتهم، فقالوا إن الخدود مشرقة كالصباح، والقدود أو القامات كغصون الأراك، وجواهر العقود على الترائب كالنجوم، والحدق تسبى الضراغم والأسود، وكأنما الأعين والنهود أسنّة وظبا سيوف، وكأنما الضفائر ليال حالكة السواد. وكل ذلك صاغه ابن البين هذه الصياغة الرائعة، فإذا كل هذه الصور تأخذ نسقا أندلسيا جديدا، ينعش الفكر بعبقه. ومن أصحاب الغزل المبدعين المعاصرين لابن البين ابن زيدون وسنفرد له ترجمة مع صاحبته ولادة.

ونلتقى بابن الحداد الذى ترجمنا له بين شعراء المديح، ويقول ابن بسام فى ترجمته (١) له: «كان قد منى فى صباه بصبية نصرانية ذهبت بلبه كل مذهب. . وكان يسميها نويرة كما صنع الشعراء الظرفاء قديما فى الكناية عمن أحبوه». . وكان اسمها الحقيقى جميلة» وإنما اختار لها هذا الاسم تصغيرا لكلمة «نار» التى أشعلها حبها فى قلبه» وأنشد ابن بسام له فيها إحدى عشرة منظومة بين قصيدة ومقطوعة، وفيها يعرض مرارا لعقيدة التثليث المسيحية وللقسس والصلوات فى الكنائس، وهو يستهلها بتائية يذكر فيها حضوره لرؤية فتاته المسيحية الاحتفال بعيد فصح فى إحدى الكنائس وقد تراءى الأسقف ممسكا بمصباح وعصا ومن حوله القسس وعينه تسرح-كما يقول-فى الحسناوات المسيحيات، والجميع يتلون صحف الإنجيل، ويخلص من ذلك إلى وصف مشاعره تلقاء فتاته فيقول (٢):

الشمس شمس الحسن من بينهم ... تحت غمامات اللّثامات

وناظرى مختلس لمحها ... ولمحها يضرم لوعاتى

وفى الحشا نار نويريّة ... علّقتها منذ سنيّات

لا تنطفى وقتا وكم رمتها ... بل تلتظى فى كل أوقاتى

وفى ذكر ابن الحداد لغمامات اللثامات فى البيت الأول ما قد يشير إلى أن فتاته كانت راهبة، ويؤكد ذلك أنه دائما فى أشعاره لها لا يراها إلا فى الكنائس وبين القسس فى أثناء التراتيل والصلوات مع تكراره لذكر الصلبان وعقيدة التثليث. وكان حبا فى صباه كما يقول ابن بسام-أو فى بواكير شبابه، وكان من جانب واحد إذ لا وصف فيه للقاء ولا لوداع.


(١) الذخيرة ١/ ٦٩١ وما بعدها.
(٢) الذخيرة ١/ ٧٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>