للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان فى هذا العصر كثيرات من الحرائر والجوارى يحسنّ نظم الشعر، إذ كان الآباء -أمراء ووزراء وعلماء وأدباء-يعنون بتثقيف فتياتهم، كما مر بنا فى غير هذا الموضع، وبالمثل كانت هناك عناية واسعة بتثقيف الجوارى، وكانت تستيقظ فى أثناء هذا التثقيف ملكات بعضهن الشعرية، واشتهرت من دانية «العبادية» (١) التى أهداها أميرها مجاهد العامرى إلى المعتضد أمير إشبيلية بأنها كانت أديبة ظريفة كاتبة شاعرة مع معرفة دقيقة باللغة، واقترن بها المعتضد، وتصادف أن سهر ليلة لأمر شغله، وكانت نائمة، فقال:

تنام ومدنفها يسهر ... وتصبر عنه ولا يصبر

فأجابته بديهة بقولها:

لئن دام هذا، وهذا به ... سيهلك وجدا ولا يشعر

وكانت لا تقل عنها إجادة للشعر مع سرعة البديهة «اعتماد» (٢) الملقبة بالرّميكيّة زوجة المعتمد ابنه، وهى إشبيلية، ويقال إن سبب معرفته بها أنه ركب نهر إشبيلية فى نزهة مع ابن عمار وزيره، وقد أحالت الريح سطح النهر إلى ما يشبه زرد الدّرع: فقال المعتمد لابن عمار: أجز

صنع الريح من الماء زرد

فأطال ابن عمار التفكير ولم تسعفه بديهته، فقالت فتاة من الغسّالات على حافّة النهر:

أىّ درع لقتال لو جمد

فعجب ابن عباد من حسن ما أجازت به الفتاة الشطر الذى صاغه، مع عجز ابن عمار الشاعر النابه، والتفت إليها، فأعجبته، فسألها: أأنت متزوجة؟ فقالت: لا. فتزوجها وهى أم أولاده النجباء: الراضى وإخوته وأختهم بثينة وكانت شاعرة. وعلى شاكلة الرّميكية والعبادية «غاية (٣) المنى» جارية المعتصم بن صمادح أمير المرية، وكانت قينة مغنية وتجيد نظم الشعر، وعرضت عليه، فلما مثلت بين يديه قال لها: ما اسمك؟ قالت:

غاية المنى، فقال لها: أجيزى:

سل هوى غاية المنى


(١) انظر فى العبادية والخير المذكور عنها نفح الطيب ٤/ ٢٨٣.
(٢) راجع فى اعتماد الرميكية النفح ٤/ ٢١١.
(٣) انظر فى غاية المنى القسم الثانى من السفر الثامن للمراكشى ص ٤٨٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>