للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت بديهة:

من كسى جسمى الضّنا ... وأرانى مدّلها

سيقول الهوى أنا

وأعجب بها، واستبقاها بين جواريه، وربما كانت أم ابنته أم (١) الكرم، وكان أبوها المعتصم قد اعتنى بتأديبها، لما رأى من ذكائها، حتى نظمت الشعر والموشحات وأحبّت- كما يقول ابن سعيد-الفتى المشهور بالسمار، وأنشد لها:

ألا ليت شعرى هل سبيل لخلوة ... ينزّه عنها سمع كلّ مراقب

ويا عجبا أشتاق خلوة من غدا ... ومثواه ما بين الحشا والتّرائب

والصورة فى البيت الثانى تدل على أنها كانت شاعرة تجيد نظم الشعر، ولعلها كانت تجيد أيضا نظم الموشحات.

ونمضى إلى عصر المرابطين، ويلقانا غزل كثير على ألسنة الشعراء، إذ لا يكاد يوجد شاعر فذ إلا وهو ينظم فيه معبرا عن مشاعره الوجدانية، من ذلك قول الأعمى التطيلى (٢):

أريق ثغرك أم بنت الزّراجين ... وعرف نشرك أم مسك لدارين (٣)

جسم براه الإله حين صوّره ... من ماء لؤلؤة والناس من طين

وحاش لله أن يعزى إلى بشر ... أو أن يضاف لحسن الخرّد العين (٤)

يدير لى مقلا مرضى بلا سقم ... يميتنى تارة فيها ويحيينى

كم زفرة تستعير النار وقدتها ... ولوعة طىّ أضلاعى تناجينى

وهو يقرن ريق صاحبته إلى الخمر ورائحتها الطيبة الذكية إلى مسك دارين: مرفأ لسفن الهند على الخليج العربى كانت تحمل إليه أنواع المسك والطيب، طالما أشاد بطيبه ومسكه شعراء العرب. ويجعل صاحبته ملاكا صوّره الله-حين خلقه-من ماء لؤلؤة


(١) راجع فى أم الكرم المغرب ٢/ ٢٠٢ وما بعدها.
(٢) الديوان ص ٢١١.
(٣) الزراجين جمع زرجون: شجرة العنب. بنت الزراجين: الخمر. العرف والنشر: الرائحة الذكية الطيبة.
(٤) الخرد جمع خريدة: الحسناء. العين جمع عيناء: واسعة العين الفاتنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>