للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشادة بجمالها الخلاب الذى لا يقاس به-ولا يمكن أن يقرن به-جمال الخرّد العين أو الفاتنات ساحرات العيون من البشر، ويشعر فى حرارة زفراته كأنها أنفاس نار متقدة وتكتظ أضلاعه بلوعات محرقة ممضة. وسنخص معاصره ابن الزقاق بكلمة أو ترجمة مختصرة، ولابن عبدون (١):

وما أنس ليلتنا والعنا ... ق قد مزج الكلّ منا بكلّ

إلى أن تقوّس ظهر الظلام ... وأشمط عارضه واكتهل (٢)

ومسّ رداء رقيق النّسيم ... على عاتق الفجر بعض البلل

وقد صوّر هرم الليل وشيخوخته وهو يكاد يلفظ أنفاسه لتفلّت أضواء الفجر وحواشيه بعجوز تقوس ظهره ووهنت عظامه من الهرم والشيخوخة، واشتعلت صفحة خدّه شيبا. والتفت إلى ما يحدث من برودة الجو فى أخريات الليل، فتخيل النسيم العليل حينذاك رداء رقيقا على منكب الفجر مسّه بعض البلل، وهى صورة بديعة. ويقول ابن خفاجة فى وصف صاحبة له (٣):

غزاليّة الألحاظ ريميّة الطّلى ... مداميّة الألمى حبابيّة الثّغر (٤)

ترنّح فى موشيّة ذهبيّة ... كما اشتبكت زهر النجوم على البدر (٥)

تلاقى نسيبى فى هواها وأدمعى ... فمن لؤلؤ نظم ومن لؤلؤ نثر

وقد خلعت ليلا علينا يد الهوى ... رداء عناق مزّقته يد الفجر

والأبيات-مثل أشعار ابن خفاجة-تكتظ بالصور، فصاحبته مثل الغزال فى سحر عيونه والظّبى فى طول جيده أو عنقه وجماله، أما شفتاها فمبسم دنّ خمرى، وأما ثغرها فعلى حفافيه حباب هذا الدنّ المسكر، ومن حولها وشى ثوبها الذهبى يتجمع كنجوم مشرقة مضيئة حول القمر المنير. ويبدع ابن خفاجة حين يتصور-فى البيت الأخير- يد الحب والهوى تنسج حوله هو وصاحبته رداء غريبا، هو رداء العناق، ويأسى لأن يد الفجر امتدت له ممزقة إيذانا بالوداع. ويقول يحيى (٦) بن بقى المارة ترجمته بين الوشاحين:


(١) الذخيرة ٢/ ٧١٥ والمغرب ١/ ٣٧٥.
(٢) أشمط العارض: شابت صفحة الخد.
(٣) الديوان ص ٢٤.
(٤) الريم: الظبى خالص البياض. الطّلى: العنق. المدام: الخمر. الألمى: الشفة تضرب خفيفا إلى السمرة. الحباب: الفقاقيع على وجه الكأس.
(٥) زهر النجوم: النجوم المشرقة المضيئة.
(٦) الذخيرة ٢/ ٦٣٦ والمغرب ٢/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>