للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأبى غزال غازلته مقلتى ... بين العذيب وبين شطّى بارق (١)

وسألت منه قبلة تشفى الجوى ... فأجابنى فيها بوعد صادق (٢)

بتنا ونحن من الدّجى فى لجّة ... ومن النجوم الزّهر تحت سرادق

حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته شيئا وكان معانقى (٣)

باعدته عن أضلع تشتاقه ... كيلا ينام على وساد خافق

وهو يتخيل أنه لقى صاحبته بين موضعين من المواضع التى طالما لقى فيها شعراء الغزل العربى محبوباتهم، وهما العذيب وبارق، ويقول إنها واصلته ومدّت له فى الوصال واللقاء، وأنها باتت معه فى ليلة تحت سرادق النجوم المضيئة، معانقة له، حتى إذا ألم النوم بمعاقد أجفانها دفعه حنوّه عليها إلى أن يزحزحها قليلا عن صدره الذى توسدته، حتى لا تنام-كما يقول على وساد خافق بحبها نابض نبضا شديدا. ويقول ابن باجة المتفلسف (٤):

هم رحلوا يوم الخميس غديّة ... فودّعتهم لما استقلّوا وودّعوا (٥)

ولما تولّوا ولّت النفس إثرهم ... فقلت: ارجعى قالت إلى أين أرجع

ولى جسد ما فيه لحم ولا دم ... ولا هو إلا أعظم تتقعقع (٦)

وعينان قد أعماهما كثرة البكا ... وأذن عصت عذّالها ليس تسمع

وهو يقول إن صاحبته وأهلها رحلوا يوم الخميس صباحا فودّعوه وودّعهم ورحلت نفسه فى إثرهم، وعبثا يدعوها إلى الرجوع وهى تردد إلى أين أرجع؟ وقد ضنى جسدى ونحل حتى لم يبق فيه لحم ولا دم، إذ أصبح أعظما فوق أعظم. وحين تتحرك أى حركة تسمع قعقعتها وأصواتها، فقد صار جلدا على عظم كما يقولون، وابيضّت عيناه من كثرة البكاء وصارت أذنه صماء لا تسمع ما يقوله العذال من لغو وهراء.

ومن الشاعرات البارعات اللائى أظلّهن عصر المرابطين ولحقن-فى أغلب الظن- عصر الموحدين نزهون وحمدة الغرناطيتان، أما نزهون (٧) فيقول ابن الأبار أحسب أن


(١) العذيب: ماء. بارق: جبل. وهما بنجد.
(٢) الجوى. الوجد.
(٣) الكرى: النوم.
(٤) الخريدة ٢/ ٣٣٣.
(٥) استقلوا: رحلوا.
(٦) تتقعقع: تتحرك مع صوت.
(٧) انظر فى نزهون وأخبارها وشعرها المغرب ١/ ١٢١ وتحفة القادم لابن الأبار رقم ١٠٠ مكررا والذيل والتكملة للمراكشى (القسم الثانى من السفر الثامن، نشر بنشريفه بالمغرب ص ٤٩٣ والبغية ص ٥٣٠ والنفح ٤/ ٢٩٥ والإحاطة وانظر ١/ ٤٢٤، ٣/ ٣٤٤ وراجع فى أبيها التكملة رقم ٥١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>