أباها محمد بن أحمد الملقب بالقليعى قاضى غرناطة إلى أن توفى سنة ٥١٠ وإذا صح ذلك كانت من بيت فقه وقضاء. وعلى كل حال تدل أخبارها أنها كانت من بيت نابه، إذ نجد أهلها يلاحظون ذكاءها، فيعنون بتخريجها فى الأدب، ويقال إنه كان بين من قرأت عليهم -كما مر بنا-المخزومى الذى مر ذكره بين شعراء الهجاء. ونجد لها مطارحات ونوادر مع الشعراء، مما يدل-من بعض الوجوه-على أنها اتخذت لنفسها ندوة كانت تلقى فيها الشعراء، ويقال إن الكتندى الشاعر الغرناطى دخل يوما مجلسا كانت تقرأ فيه بعض الشعر على المخزومى فقال له-وكان أعمى-أجز:
لو كنت تبصر من تكلّمه
فأفحم الأعمى ولم تسعفه بديهته، فبادرت نزهون قائلة ومثنية على نفسها فى سرعة خاطفة.
لغدوت أخرس من خلاخله ... البدر يطلع من أزرّته
والغصن يمرح فى غلائله
ويروى أنه لقيها ابن قزمان الزجال وعليه غفارة صفراء، وكان قبيح المنظر، فقالت له: أصبحت كبقرة بنى إسرائيل ولكن لا تسرّ الناظرين، تشير إلى وصف القرآن الكريم لبقرتهم: بأنها (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين). ومر بنا فى حديثنا عن المخزومى بين شعراء الهجاء أنه لم يسلم منه أحد، حتى تلميذته نزهون، وأنها ردت عليه وألقمته حجرا أخرسه. وأما حمدة (١) فكانت ابنة مؤدب فاضل يسمى زياد بن بقىّ ربّاها هى وأختها زينب تربية فاضلة تثقفا فيها ثقافة أدبية واسعة، حتى أحسنتا نظم الشعر وصوغه. ويترجم ابن الأبار لحمدة فى التكملة وفى التحفة ويقول: من أهل مدينة وادى آش (بالقرب من غرناطة) وإحدى الأديبات المتظرفات العفيفات، وفى كتاب المغرب أنها حسناء المغرب وشاعرة الأندلس. وينقل المقرى عن ابن سعيد أنها هى وأختها زينب من نساء غرناطة المشهورات بالحسب والجلالة. ويذكر الرواة أنها خرجت مع صواحب لها إلى النهر فى مدينة وادى آش، وهو يجرى بين بساتين ورياض، ولما خلعن
(١) راجع فى ترجمة حمدة بنت زياد وأختها زينب المغرب ٢/ ١٤٥ وتحفة القادم رقم ١٠٠ والتكملة رقم ٢١٢٠ والمطرب ص ١١ والذيل والتكملة للمراكشى ٢/ ٨/٤٨٥ والإحاطة ١/ ٤٨٩ ونفح الطيب ٤/ ٢٨٧.